من ربوع بلادي…يقصدها الباحثون عن استراحة دافئة في الشتاء

elmaouid

واحات تيميمون.. اختزال التاريخ في أعرق القصور

 نبحر اليوم في واحات تيميمون أو “الواحة الحمراء” كما سماها بعض الفرنسيين نسبة إلى بيوتها الملونة بالأحمر، هي مدينة جميلة جدا تمتاز بطابعها المعماري الإسلامي.

تيميمون أو عروس الصحراء كما يلقبها زوارها، تمتاز بطابع عمراني ومعماري فريد من نوعه، ما دفع الباحثين الفرنسيين وقت الاستعمار إلى تصنيفها على أساس أنها من أروع واحات المنطقة، كما وصفها أحد الباحثين

بأنها واسعة وغنية وخصبة،

وأفضل من الواحات التي زارها تحيط بها من كل الجهات هضاب وتلال صغيرة ذات تربة حمراء ويوجد بها قصور قديمة آية في الجمال ومترامية الأطراف بين كثبان الرمال ومغاراتها وقصباتها القديمة وواحات النخيل الكثيفة والأشجار والنباتات الصحراوية، مشكلة بذلك فسيفساء لوحة فنية تشكيلية مفتوحة على الطبيعة الصحراوية الشاسعة.

 

 

تختزل مدينة تيميمون التاريخ في قصورها العتيقة.. وتجلب السكينة في واحاتها الشاسعة.. ويقصدها الباحثون عن استراحة دافئة في الشتاء الباردة، حيث تعرف تيميمون حركة نشيطة على مدى الموسم السياحي الشتوي الممتد من شهر أكتوبر حتى شهر ماي من كل سنة، ويعد الأوروبيون من أكثر السياح انجذابا لهذه المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري، نظرا لطبيعتها الخلابة وخصوصياتها الجغرافية، إلى جانب مناخها المعتدل في هذه الفترة من السنة.

تقع تيميمون في الجنوب الجزائري في منطقة قورارة على بعد نحو 1400 كلم من الجزائر العاصمة، وتزيد مساحتها على 1000 كلم مربع ويقطنها أكثر من 4000 نسمة، تتوزع على أزيد من 30 قصرا كما يعرف محليا، والقصر بالمفهوم المحلي هو عبارة عن تجمعات سكانية مبنية بالطوب الأحمر المحلي، تحيط به حقول وبساتين وواحات نخيل لأن معظم سكان هذه المناطق يعتمدون على الزراعة التقليدية في أسلوب عيشهم، التي تسقى بآبار متصلة ببعض تعرف محليا بالفقاقير.

 

“تيميمون” مدينة سيدي ميمون

تقول الرواية إنّ “تيميمون” قبل أن تُبنى كمدينة قائمة بذاتها، كانت عبارة عن منطقة شاسعة تسكنها مجموعة من القبائل المتفرقة هنا وهناك، في قصور قديمة، إلى أن جاء الشيخ “سيدي موسى” أحد كبار الأعيان، وقال إنّه من الضروري جمع هذه القبائل وإضفاء طابع المدينة على المنطقة، فكّر مليّا  لتكون فكرة إنشاء سوق تستقطب سكان المنطقة المتباعدين، وبنى الشيخ أوّل سوق في الجنوب سمّي على اسمه “سوق سيدي موسى” لمّ به شمل كل القبائل المتفرقة التي نزلت إلى المنطقة، فبنيت البيوت وعمّرت المدينة.

أما عن أصل تسمية “تيميمون”، فقال المؤرخون إن هناك رواية يتناقلها سكان تيميمون عن آبائهم “إنّ شخصا يُدعى ميمون كان أوّل الوافدين إلى المنطقة، فسمّيت المدينة باسمه، وكان السكان يقولون “تين ميمون” أين نسبوا المدينة إلى ميمون (مثلما يُقال بالعامية تاع ميمون)، وبعدها حذفوا حرف “ن” وأصبحت الواحة تُعرف باسم “تيميمون”، ويُعتبر اسما “ميمون” و”المأمون” من أكثر الأسماء تكرارا على أبناء المدينة.

 

أضرحة موزعة… وقبور متشابهة لا تحمل أسماء

حين تدخل أزقّة “تيميمون”، تظهر لك بناياتها المنخفضة، بأبوابها الضيقة، لا تحمل اسم العائلة ورقم المنزل إلاّ نادرا، واللون الأحمر الآجوري والأبيض يطغيان على معالم المدينة، كما تتميز المدينة بوحدة طابعها العمراني، فالمساكن ومراكز البريد والمدارس

والمديريات والعيادات كلها تشترك في ذات الطابع، والسر في ذلك يعود للون رمل واسمنت “تيميمون” الأحمر الأجوري، ويدخل اللون الأبيض على البنايات ليعكس حرارة شمس الصحراء اللافحة.

وما يلاحظه الزائر لـ ” تيميمون ” توزع الأضرحة فيها  بشكلها البيضوي الأبيض، بوسط المدينة وبالمناطق السياحية أيضا، والملاحظ أيضا هناك هو أن هذه الأضرحة، لا تحمل أيّة معلومات تخص الولي المدفون بها، لذا كان على زائر تيميمون مرافقة دليل سياحي ليقدم التوضيحات اللازمة عن كل ضريح ، فهذا الولي سيدي عبد الرحمان وذاك سيدي الميمون والآخر سيدي بوجمعة التلمساني أحد أحفاد سيدي بومدين. لكلّ ضريح قصّة ورواية، منهم من وُلِد بتيميمون ومنهم من مات بها.

وأنت تسير باتّجاه منطقة أولاد سعيد السياحية ، تمر  على مقبرة جماعية غير مسيّجة مفتوحة أسوارها على المنطقة، بإمكان أيّ كان الدخول إليها، تتميز  قبورها بطريقة بنائها، فأهل تيميمون  لا يبنون قبورهم و ذلك من أجل المساواة بين الغني والفقير، فيدفنون الميّت بأن يغمروه في الحفرة بالتراب ثمّ يضعون صخرتين فوق قبره فقط، ويفرّقون بين قبرالرجل وقبر المرأة من خلال طريقة وضع الصخرتين، فإن كان الميّتُ رجلا تُوضع الصخرتان على استقامة واحدة، وإن كان امرأة توضعان بزاوية 90 درجة.

ماعدا التفريق من حيث الجنس كل الأموات سواسية بتيميمون، لا قبورا فخمة تُبنى ولا شواهد تُعرّف بهويّة المدفون. كل عائلة تعرف قبر ذويها.

 

قصبات وقصور تعود للقرن 12 ميلادي

إضافة إلى  القصور العتيقة تتميز تيميمون بقصباتها  العديدة ، والقصبة هي عبارة عن تجمع سكاني قديم يبنى غالبا  على قمة جبلية وتكون أسفله مغارة، وكانت تستعمل قديما للإختباء أثناء الحروب و الغزوات  وتضم القصبة أربعة أبراج للمراقبة، إذ يمكن التموقع فوق الجبل من رؤية العدو من مسافات بعيدة، و توجد بالمنطقة قصبات وقصور قديمة جدا يعود تاريخها إلى القرن 12 ميلادي، وهناك ما يزيد عن هذه الحقبة التاريخية، مثلما هي الحال مع قصر إيغزر الذي يبعد عن مدينة تيميمون 40 كلم، وبه مغارة كبيرة جدا، باردة صيفا ودافئة شتاء وتمثل تراثا قديما، والمغارة فوقها قصر قديم يعود إلى مئات السنين. وما زالت إلى حد الساعة وجهة سياحية لزائري المنطقة.

وهناك قصر أغلاد الواقع على بعد 60 كلم شمال المدينة الذي استفاد من مشروع ترميم موّله برنامج الأمم المتحدةللتنمية ضمن برنامج ضخم أطلق عليه “طريق القصور”.

أمّا المنطقة الأثرية أولاد سعيد فقد صنفت ضمن المناطق الرطبة في العالم.

هذه المناطق هي التي تشكل المعالم السياحية المهمة بالمنطقة إلى جانب قصور ماسين، بني مهلال، زقور، بدريان ، وأخرى.

 

تظاهرة “أهليل “…..قعدة في رحاب الفرق الموسيقية المحلية

 

تهدف تظاهرة ” أهليل” المنظمة تحت إشراف وزارة الثقافة إلى الحفاظ على هذا التراث العريق  المصنف ضمن روائع التراث العالمي اللامادي من طرف منظمة اليونسكو منذ سنة 2005 من خلال ضرب موعد وطني سنوي بعاصمة إقليم قورارة لهذا الموروث التراثي العريق وإيصاله للأجيال القادمة.

و لا تخلو السهرات التيميمونية من القعدة في رحاب الفرق الموسيقية المحلية، كل  أمسية تُنظّم سهرات موسيقية في أحد قصور حي “سوق سيدي موسى”، خيمة منصوبة، نار مشتعلة، والنجوم تزيّن السماء.

تبدأ الجلسة التيميمونية بمأدبة عشاء، تُقدّم فيها أشهى المأكولات التقليدية، على غرار كسكس الشعير، البركوكس، تيبعيرين (وهي عجائن تُطهى في المرق تشبه إلى حدّ ما أكلة تيكربابين المشهورة)، إلى جانب الرقاق (وهي أكلة تشبه الشخشوخة البسكرية)، القاسم المشترك بين هذه الأكلات هو لحم الإبل الحاضر في كل الموائد التيميمونية، بالنسبة للمشروبات فماعدا المياه المعدنية “قولية” و”آيرس” لا وجود للعصائر ولا المشروبات الغازية إلاّ للضيوف.

ناهيك عن الشاي التيميموني الشهير، الذي يحضّر عبر 3 مراحل، الأوّل يسمّى  “الشاي القاطع”، مذاقه قوي جدّا الملائم مباشرة بعد الأكل، والثاني مذاقه معتدل نوعا ما، أمّا الثالث فخفيف يغلب عليه طعم النعناع.

بعد انتهاء وجبة العشاء تبدأ الفرقة الموسيقية بعزف وغناء مقاطع موسيقية محلية من أجل التعريف بالتراث، فرقة متكونة من ستة أفراد يقودها أصغرهم سنّا المدعو “التوهامي”، يجلسون على  الأرض فوق زرابي، الأوّل يضرب على دربوكة من الجلد كبيرة الحجم، الثاني يعزف على آلة السانتي، الثالث يلامس أوتار القيتار، الرابع يحمل دربوكة صغيرة من الجلد يضرب عليها بيد واحدة، إضافة إلى القرقابو التي لا بدّ وأن تكون حاضرة في كل الفرق الموسيقية، كما يتم جلب شخص مختص في التصفيق.

ولأن الفن كائن حيث يكون الإنسان، فأهل القورارة يتميّزون بأهازيجهم الشعبية و فلكلورهم الذي يحيون به ليالي أفراحهم. وتعد أهازيج “أهليل” ذي الأصول الزناتية القاسم المشترك بين جميع سكان منطقة قورارة، بالإضافة إلى أهازيج الطبل ذي الأصل العربي والقرقابو ذي الجذور السودانية. ومن عادة أهل قورارة أن يحيوا حفلاتهم من منتصف الليل إلى فجر اليوم الموالي وسط أهازيج الفرق المحلية التي تصطف رجلا إلى جنب رجل في شكل دائري ويرددون أشعارا تتضمن بعض المديح النبوي.

“الله يهديك يا السمرا الله يهديك، أنت وردة وأنا الفلاح نسقيك”، الأغنية المترسخة في تيميمون.

هذه تيميمون، يطول الحديث ولا ينتهي عن الواحة الحمراء قبلة السياح بدون منازع. مع أمل أن يكون الموسم السياحي لهذه السنة  ممتدا إلى غاية شهر ماي المقبل يمكن أن يكون فرصة تُستغل لإعادة بعث السياحة في إطار توفير الأمن بالمناطق المجاورة، باعتبار  السياحة موردا هاما للاقتصاد الوطني.