بذلت الجزائر جهودا كبيرة على المستويات التنظيمية والتقنية والاستراتيجية للحفاظ على المناطق الرطبة، التي تعد بمثابة نظم بيئية هشة يجب حمايتها، حسب ما أكدته وزارة البيئة والطاقات المتجددة.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمناطق الرطبة، الذي يصادف 2 فيفري من كل سنة، والذي يخلد ذكرى توقيع اتفاقية “رامسار” بشأن المناطق الرطبة في مدينة رامسار الإيرانية سنة 1971، ذكّرت الوزارة بجملة القوانين التي سنتها الجزائر من أجل حماية المناطق الرطبة.
ويسلط موضوع اليوم العالمي للأراضي الرطبة 2024، تحت عنوان “الأراضي الرطبة ورفاهية الإنسان”، الضوء على الارتباط الوثيق بين جميع جوانب رفاهية الإنسان – الجسدية والعقلية والبيئية – وحالة الأراضي الرطبة العالمية وصحتها. ويوضح الترابط التاريخي بين الأراضي الرطبة وحياة الناس الذين يكسبون قوتهم ويستمدون إلهامهم وقدرتهم على الصمود من هذه النظم البيئية ذات الإنتاجية العالية، كما يبرز الحاجة الماسة لإدارة فعّالة لها في جميع أنحاء العالم.
الضاية… البحيرة المنسية بين الجبال
أن تجد كنزا من كنوز الطبيعة التي لا يعرفها إلا القليل، فذلك متعة الاكتشاف ومتعة السياحة و”التحواس”، وأن تحس بمتعة اكتشاف الطبيعة العذراء، فذلك إحساس بالبيئة وحب للسياحة البيئية، فإن اجتمع كل هذا مع متعة الاستماع لتغريد الطيور واستنشاق الهواء العليل الحاد بنسماته وعبق روائح الأشجار المتنوعة، فاعلم أنك بأعلى بحيرة على مستوى الجزائر، هناك على ارتفاع 1200م سيكون إيمانا بقوة الخالق وروعة إبداعه، سيكون شعورا رائعا بالجمال الطبيعي للجزائر، وستحس بالفخر لأنك محظوظ بين الملايين لأنك تكتشف هذا الكنز المنسي.
على ارتفاع 1200 متر فوق سطح البحر، وبين ولايتي البليدة والمدية وفي الطريق الرابط بين بلديتي عين الرمانة وتمزقيدة، تختبئ مناظر طبيعية خلابة وساحرة، لتختطف زوارها إلى تلك البحيرة المعلقة في أعلى قمة جبل.. إنها بحيرة “الضاية” العذراء الملهمة لكل من حط الرحال بها.
البحيرة التي لا تجف أبدا
وصف الضاية لا يكتمل إلا بزيارة ذلك المكان الملهم لمحبي الطبيعة، والاستكشاف، والراحة والهدوء والتأمل.. كيف لا وهي البحيرة الممتدة على مساحة هكتارين، ولا يقل منسوب مياهها أبدا وتبقى وافرة حتى في أوقات الجفاف.
وتمتد البحيرة على مساحة هكتارين، وهي البحيرة الأعلى في الجزائر والواقعة بوسط جبال الأطلس البليدي بالجهة الغربية في أعاليه بين بلديتي عين الرمانة (البليدة) وتمزقيدة (المدية)، واختلط على الناس انتماء هذه البحيرة في كونها تابعة لإحدى البلديتين، وذلك بحسب ما ألفه الناس من زيارتها، فالقادمون من تمزقيدة يسمونها على اسم البلدية، بينما القادمون من سفوح عين الرمانة وموزاية يعتبرونها تابعة لإقليم بلدية عين الرمانة وهو الأصح إداريا. وبعيدا عن كل ذلك تبقى البحيرة واحدة من أهم الروائع البيئية التابعة للحظيرة الوطنية للشريعة وهي محمية عالمية.
“جنة” تمزقيدة الصغيرة
“الضاية”، بالنسبة إلى سكان بلدية تمزقيدة، كنز ثمين لا يبخلون في تقاسمه مع كل شخص قرر زيارة “جنتهم” الصغيرة، فيحظى الزوار بلحظات عائلية على قمة الجبل وضفاف بحيرة الضاية، ليستمتعوا برحلة أقل ما يقال عنها إنها كانت رائعة، وفرصة للراحة والاستجمام، يتعهد جميع زوارها بألا تكون الأخيرة.
وتزخر المنطقة بغطاء نباتي متنوع وثروة حيوانية أكسبتها جوا من الهدوء يبعث في زوارها الراحة بعيدا عن ضوضاء المدينة، وهو ما حولها إلى مكسب سياحي وترفيهي مفضل للعديد من العائلات الجزائرية.
المرافق العمومية.. المطلب الرئيسي لسكان المنطقة
وبالرغم من أن الأشغال جارية لتوسعة الطريق المؤدي إلى بحيرة الضاية، إلا أن مطلب سكان المنطقة وحتى السواح يكمن في ضرورة الاهتمام بالمكان من خلال إنعاش المنطقة وتوفير مرافق عمومية تليق بروعة البحيرة، مع الحرص على حماية تلك المحمية البيئية من طرف “أعداء الطبيعة” الذين يتركون النفايات وراءهم ويشوهون جمالية المنظر..
متعة رياضية واستكشافية
هناك طريق آخر يؤدي إلى البحيرة من عين الرمانة إلى جبل تمزقيدة بالسيارة، هي طريق ملتوية وليست مهيئة، ويمكن سلكها سيرا على الأقدام، وهي متعة رياضية واستكشافية حقيقية رغم أنها متعبة، وهناك لابد من المرور عبر ضريح سيدي براهيم ورؤية بعض السكان المتوافدين لزيارته.
ويتواصل درب رحلتك المتسارع على السمو والارتفاع، وكلما زاد ارتفاعك وابتعادك عن القرى ومدن سهل المتيجة ويصادفك هناك بعض الزوار الذين يقفون لالتقاط الصور هناك والتمتع بمناظر جبال الظهرة، شنوة، الساحل وحتى زرقة مياه البحر المتوسط الذي يبدو جليا من هناك، حتى تصل إلى لافتة ترحب بك في “الحظيرة الوطنية للشريعة”، وبين الفينة والأخرى لافتات تنصح بالاهتمام بالبيئة والاستمتاع الإيجابي بمكنوناتها الثرية، تنصح بتفادي التلوث الصوتي، وأخرى تحذر من سرعة الالتهاب بتلك المنطقة الغابية..
لافتة ترحيبية للحظيرة الوطنية للشريعة
وقبل أن تصل إلى البحيرة المنشودة بحوالي الكيلومتر ونصف، تصل إلى المنعرج الفاصل بين المناظر التي تطل على المتيجة (تيبازة، البليدة والعاصمة)، والمناظر التي تطل على الأطلس البليدي من جهة ولاية المدية، عند ذلك المنعرج يوجد مقام الشهيد (تامزقيدة) على ربوة ترتفع بـ 1300 متر على سطح البحر، وهو نصب يخلد شهداء المنطقة لننشد معا “من جبالنا طلع صوت الأحرار”.
مقام الشهيد تامزقيدة
الهدوء والسكينة يلازمان المكان، قليلة هي السيارات والمستكشفون كثر، السيارة يجب أن تسير ببطء بغية الاستمتاع بشكل أكبر بالمناظر البديعة، وحتى لا يفوتك حيوان أو طائر، رؤية كهف ما، والانبهار بالوادي السحيق، تستمتع بعبق روائح الأشجار والغابات، تحس بالهدوء والطمأنينة والابتعاد عن ضوضاء المدينة.
تنوع إيكولوجي يندر أن يكون في غيرها
يسعى القائمون على الحظيرة الوطنية للشريعة جاهدين للحفاظ على هذا التنوع البيولوجي الذي تتوفر عليه البحيرة، من خلال الاستراتيجية المتبناة في السنوات الأخيرة والتي تقوم أساسا على تشجيع الخبراء والجامعيين والعلميين على دراسة وانجاز الأبحاث العلمية حولها للتعرف بالتحديد على طبيعة المنطقة وما تحويه من كنوز طبيعية ما يزال الكثير منها مجهولا.
كما يجري بالمقابل وبالتنسيق مع محافظة الغابات ومديرية البيئة، القيام بعمليات تشجير واسعة بمحيط البحيرة، لحمايتها من الجفاف وانجراف التربة ومنع التوحل بها.
وما تزال بحيرة الضاية تنتظر التعجيل في عملية تصنيفها كمنطقة رطبة محمية مصنفة ضمن شبكة رامسار العالمية. ومن شأن هذا التصنيف العالمي افشال المساعي واسكات الأصوات المنادية بإنجاز استثمارات سياحية ستهدد، حسب خبراء البيئة، نظام التوازن البيولوجي الذي تتوفر عليه البحيرة حاليا.
وبالرغم من توفرها على كافة الشروط والمواصفات الخاصة بمنطقة رطبة ولعبها دور أساسي في الحفاظ على التوازن البيئي، غير أن بحيرة الضاية التابعة للمحمية الطبيعية “الحظيرة الوطنية للشريعة” لم تصنف بعد كمنطقة رطبة على المستوى الوطني، بحيث أنها لم تسجل بعد ضمن القائمة الوطنية التي تضم إلى غاية اليوم 52 منطقة رطبة بل وحتى ضمن قائمة 1500 المحميات التي هي قيد الدراسة من طرف المديرية العامة للغابات، حسب ما ذكره مدير الحظيرة الوطنية للشريعة.
تلعب الأراضي الرطبة الصحية والمدارة بشكل جيد دورا حاسما في تحقيق رفاهية الإنسان في مختلف جوانب حياته، فهي حيوية لأكثر من مليار شخص، بتوفيرها لفرص العمل وباعتبارها مصدرا أساسيا للمياه العذبة، مما يُسهم في دعم مستقبل اقتصادي ومائي مستدام. وتضمن الأراضي الرطبة الأمن الغذائي العالمي من خلال توفير الأسماك- مصدر البروتين الأساسي لأكثر من مليار شخص- والحفاظ على حقول الأرز التي تغذي 3.5 مليار شخص سنويا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الأراضي الرطبة كدروع طبيعية تحمي المجتمعات الساحلية من مخاطر الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، مثل العواصف والفيضانات والتآكل والجفاف. وهذه النظم البيئية لا تدعم التنوع البيولوجي فحسب، بل تعمل أيضا على تحسين الصحة العقلية وإلهام الثقافة وتعزيز السلام وربط المجتمعات بالطبيعة وإثراء التقاليد وتحفيز الإبداع.
لمياء. ب
