قلعة من قلاع الماضي مفتوحة على جمال الطبيعة

مدينة غرداية.. تميز تراثي وأيقونة في التعايش الحضاري

elmaouid

يرفع التنوع الثقافي والاجتماعي الموجود في الجزائر فرص الترويج للسياحة الثقافية، لاسيما في مناطق الجنوب الكبير التي تعرف فسيفساء غنية تعكس تاريخ المنطقة العريق. ومن بين أبرز المدن التي لا يجب أن يفوّت السائح زيارتها في صحراء الجزائر، مدينة غرداية التي تقع على بعد 600 كلم جنوب العاصمة، والتي يعود أصل تسميتها إلى “غار داية” وهي امرأة اسمها داية كانت تسكن في غار كان محطة للرحالة للراحة ومنها جاء اسم غرداية.

ويعود تعمير المدينة إلى آلاف السنين، ودليل ذلك النقوش البربرية الموجودة على الصخور المجاورة للمدينة، وأحاطت بالمدينة الحالية في القديم العديد من القصور التي شيدتها القبائل الأمازيغية المعروفة هناك كآت ميزاب وبعض القبائل العربية التي استقرت بالمنطقة.

القصور السبع.. قلاع من عبق الماضي

تعد المعالم الأثريَّة والقصور السّبع في مدينة غرداية الجزائريَّة فسيفساء رائعة شكّلت من جمال المكان قلعة من قلاع عبق الماضي الممتدّ عبر الأمكنة والأزمنة التي تتعانق مع الحاضر، وفيها تمتزج جماليَّة الكثبان الرَّمليَّة التي تشكّل هي الأخرى أشكالًا هندسيَّة متنوعة تعطي للزَّائر صورة حقيقيَّة عما تختزنه الصَّحراء العميقة من طبيعة خضراء ومياه رقراقة تنبثق من الصّخور المتراصّة والمتلألئة كحبّات الياقوت، تحاذيها ثروات باطنيّة فيها امتداد لا ينتهي، وجمال ساحرٌ يمزج فيه الإنسان أصالته وتقاليده وعاداته.

وتعدّ هذه المنطقة مقصد الزوار ومحبي التبرك بالأولياء الصالحين الذين يجدون راحتهم في إشعال الشموع وعود العنبر، والذي يترك هو الآخر عبقًا يفوح من القلاع الشامخة التي ما زالت تتحدى الطبيعة وهمجية الإنسان كأنها تبحث عن هوية وموطن لها لدرجة أن الثقافة الجزائرية عجزت عن تغيير بعض الجدران المهترئة والمتطايرة، لأن في هذا المكان تعشش الطيور بمختلف أنواعها منها اللقلق الذي يصنع هو الآخر من القشة اليابسة وكرًا له ليحرس القصور السبع وكل ما تتوفر عليه القلعة المترامية الأطراف عند ضواحي غرداية السياحية.

 

السوق والمسجد.. ميزة عراقة ودليل أصالة المنطقة
ومن أهم المعالم الأثرية والعمرانية، نجد المعالم الدينية كالمساجد العتيقة والقصور ومصليات المقابر وكذا المعالم، ومن أهم الأسوار والمداخل وأبراج المراقبة المتواجدة في الواحات، نجد بني يزقن ومن المعالم الأخرى المميزة لتاريخ المنطقة التي ما زالت تحافظ على عراقتها وأصالتها، سوق بني يزقن الذي ما زال حتى الساعة يعتمد على طريقة البيع بالمزاد العلني.

وغرداية بجمالها وروعة مكانها وأصالة حضارتها وترحاب سكانها سياحة لا تنتهي، تبقى دائمًا جوهرة الجزائر العميقة نظرًا لروعة المكان ورحابة قلوب أهلها الكرماء.

نمط عمراني.. يعود إلى قرون

ما تزال مدينة غرداية أضواء ميزاب عاصمة الولاية بشبكة الصحراء الجنوب الجزائري المعروفة بجوهرة الواحات، تحافظ على تاريخ نمطها العمراني وأصالتها العريقة التي تعود إلى عدة قرون خلت، منذ أن وطأتها قدم الإنسان وبداية الإعمار بها، نظرا لتميزها وخصائصها ووفرة مائها وخصبة ترابها، التي لا تعد ولا تحصى.

فأهم ما يشدّ السائح للمنطقة ويثير انتباه الزائر هو تناسق الفن المعماري وأشكاله الهندسية، الذي يميز كل البنايات وشوارع المدينة، والنمط العمراني الواحد الذي يرمز إلى تاريخها عبر تراب باقي البلديات، إذ أن أغلب بناياتها تنجز بالحجارة والجير الأبيض بنصاعة محلية أبا عن جد ومادة تيبشمت (الجبس)، والأمر لا يقتصر على البنايات القديمة، سواء بالقصور أو الأحياء الشعبية، بل حتى باقي البنايات الحديثة التي باتت تحافظ على النمط بكل أشكاله وفنيات تقنياته.

كما أن خاصية المنطقة بلونها الترابي الذي يشير للناظر إليه بأنه في غرداية التي حافظت على هذا النمط من التراث واللون في واجهتها الخارجية زادتها رونقا وجمالا خلابا، وذلك لكي تبقى المدينة محافظة على أصالتها وعراقتها بكل أطيافها.

فطابع غرداية العمراني التراثي التاريخي والتجاري الذي لا يختلف عليه اثنان منذ عصور خلت، أين كانت منطقة عبور للقوافل التجارية من وإلى الشمال، المغرب وتونس وليبيا وإفريقيا وأوروبا، من حيث التعريف والسرد في الحكاية. طابع يضاف إليه العنصر القديم الجديد في حلّته البديعة التي ظهر بها في موسم سنة 2016 وبرق لمعانها بداية مطلع سنة 2017، ألا وهو القطاع السياحي بكل أصنافه ومعاييره ومقاييسه من سياحة جمالية، تراث وأثار وعلاجية حموية وثقافية، يضاف إليها فرع جديد نجح في الميدان وعرف استقطاب عدد كبير فاق الألف، ألا وهي السياحة الصحراوية من كثبان وفيافي عبر العرق وشبكة الصحراء الجزائرية، إضافة إلى السياحة الحموية للعلاج والاستجمام، وهذا ما جعلها تتحول إلى قبلة ووجهة سياحية بامتياز وتنافس من كل جهات ربوع الوطن، شمال، وسط، شرق وغرب، ناهيك عن السواح من خارج الوطن، سواء الأجانب أو أبناء الجالية لعديد الدول، وكان نصيب الولاية من توافد السواح عبر ربوع تراب بلديات الولاية حصة الأسد نهاية 2016 وبداية 2017، وبذلك تكون غرداية قد استرجعت مجدها السياحي الذي تزخر وتفتخر وتشتهر به، بعدما استعادت أمنها واستقرارها ووحدة سكانها وأبنائها بجميع أطيافهم وتوجهاتهم.

 

قواعد ثابتة لبناء المنازل

هناك قواعد عامة وموانع في الفن المعماري الميزابي أصدرها مجلس عمي سعيد (قديما) يلتزم بها كافة السكان منها:

– أن علو الدار لا يفوق 15 ذراعا .

– لا يسمح بإقامة الجدار على حدود السطح من الناحية الشرقية أو الغربية له كي لا يحرم الجار من ضوء الشمس ضحى وعشية.

– لا يجوز إسناد الدرج إلى جدار الجار إلا بإذنه، وكذا المستراح أو مرابط الدابة إلا إذا سبق أحدهما الآخر، فلا حق للجار الجديد أن يلزم جاره بتغيير الوضعية السابقة.

– لا يحدث أحد نافذة مهما كانت مساحتها إلا برخصة من الجيران ليحددوا له المكان الذي يمكن أن يحدث فيه هذه النافذة.

– في كل مدينة يعيَّن أمينان في عرف البناء، إليهما ترفع الشكاوى فيما يتعلق بالبناء.

إن الوصف السابق ينطبق على الدار الكاملة التي مساحتها نحو 100 متر مربع تقريبا. هناك عدد كبير من المنازل أقل اتساعا، وتسمى بنصف دار، مساحتها نحو 50 مترا مربعا.

 

رمال “سبسب”.. سحر الصحراء الخلاب

لؤلؤة الجنوب بولاية غرداية مدينة “سبسب” السياحية الفلاحية الأثرية وطريق “الكاليش” عربات الأحصنة بالقرن التاسع عشر، لؤلؤة الجنوب بتراب بلدية “سبسب” دائرة متليلي الشعانبة ولاية غرداية المترامية الأطراف بين الكثبان الرملية الذهبية وسحر جمالها الخلاب وصحرائها الشاسعة من عرق وشعاب وفيافي وجبال، وهي الأماكن التي يستغرق الوصول إليها وقتا ركوبا لبعدها، سواء بالمركبات رباعية الدفع أو الجمال بالنسبة للمسافات الطويلة أو مشيا على الأقدام بالنسبة للقصيرة.

وفي الوقت نفسه تعد رمال “سبسب”، أحد أهم المناظر الجميلة التي تمكن السائح من متابعة غروب الشمس وسط كثبان الرمال وضيعات النخيل الباسقات المترامية الأطراف هنا وهناك، ومن أهم المواقع الجميلة بالمدينة الفلاحية الهادئة منطقة مخيم الهدار ترافل وخيمها ووسائل استقبالها الموضوعة تحت تصرف الزوار ومرتادي المخيم سواء جمال أو سيارات وحتى الدراجات رباعية الدفع، إضافة إلى النقاط الجميلة التي يقصدونها لالتقاط الصور التذكارية بهذه المناظر الساحرة الخلابة بجمالها خاصة أثناء غروب الشمس وحلول الظلام، إلى جانب مداعبة بريق ألوان الرمال ومتابعة عروض المتنافسين والمتزحلقين عليها.

واختتمت القائمة بانتعاش السياحة مرة أخرى بوجه مشرق من مدينة 44 واليا صالحا، مدينة المنيعة القوليا وقصرها التاريخي، وأسطورة حكاية “بنت الخص” وسيرتها المشوقة التي ظلت تسرد أطوارها على مر العصور، ومن أبرز معالم وجودها، إضافة إلى إطلاق اسم حاسي زيرارة على المنبع المورد لعابري الصحراء بينها ومتليلي الشعانبة. المنيعة إضافة إلى قصرها القديم الذي استعاد مكانته وحسه ازدهرت ببحيرة سبختها المالحة وطيورها المهاجرة، والتي يقدر عددها بحوالي 45 ألف نوع حسب المختصين، وجديدها حديقة الفوروم وتجارب أنواعها ومكتبتها العلمية متعددة العناوين.

ومن خلال ما علمناه تعد ولاية غرداية بكل ربوع تراب بلدياتها القبلة المفضلة والوجهة التي تستقطب عديد الزوار من مختلف الجهات والدول لاكتشاف تراث المنطقة وآثار الحضارات القديمة المتعاقبة عليها التي باتت مقصدا لكل البعثات السياحية بتنوعها، سواء الطلابية الشبانية الثقافية العلمية وحتى الطبية مؤخرا، كما هو الحال للبعثات التي حلت بتراب الولاية سواء بمستشفى الدكتور إبراهيم ترشين، أو التي حلت ضيفة على جمعية تجمي بالعطف تجنينت الحبيبة.

في آخر المطاف يؤكد زوار المنطقة بأن الاستمتاع بجمال المنطقة ومناظرها الخلابة وسحرها المبهر لا يقتصر على المناطق الأثرية العمرانية فقط، بل هناك العديد من المناطق والمناظر منها الكثبان الرملية، البساتين الخضراء، جنات الواحات بتنوعها والمنابع المائية وغيرها التي يجد بها السائح متعة لا تضاهيها متعة أخرى، بينما تبقى هذه المناطق في بلدنا مدفونة ويزيدها هيجان العاصفة وأتربتها المتنقلة دفنا وطمرا إلى وقت غير معلوم.

لمياء بن دعاس