طبيعة عذراء تحاكي عظمة الخالق

الشلف… امتزاج فسيفساء التاريخ بخرافة الجغرافيا

الشلف… امتزاج فسيفساء التاريخ بخرافة الجغرافيا

تتميز ولاية الشلف الساحلية بأكبر مظاهر ومناظر الطبيعة جمالا نظرا لموقعها الجغرافي بما فيه البحر في الشمال وجبال الظهرة في الجنوب وجبل زكار في الشرق، ويغطي الساحل الشلفي موقعان كبيران، موقع الغرب الذي يمتد من بني حواء إلى تنس يمثّل منظرا جميلا مخضرّا وهو في سفح زكار، وتكوّن أغلبية هذه المواقع الغابية خلجانا أمثال بوشرال وترغنية ودوميا التي تؤلف منظرا خارقا في الجمال وتروق زيارته خاصّة بموقع حيث تتدفّق فيه مساحات المرجان.
ويعد الشاطئ الغربي أوسع من الشاطئ الشرقي، حيث يمتد على سبعين كلم، يضيق أحيانا سيّما في واد الملح وواد تغزرت وعند مخرج المنطقة السكنية القلتة حتى إلى بداية شاطئ الدّشرية “بلدية الدّهرة”.
وتتموقع في الناحية الغربية ثلاث بلديات: سيدي عبد الرحمان والمرسى والدّهرة وهي تزخر بمميزات سياحية هائلة: شواطئ رائعة، غابات تصلح للصيد السياحي (خنزير الغاب، الحجل، أرانب) ودون ذلك.

 

منبع جمال الطبيعة وسحر البحر

جمال السواحل الشلفية تتمازج فيه زرقة البحر باخضرار الغابات وفسيفساء التاريخ، وتتنوع فيه شواطئ الرمال بالشواطئ الحصوية الصغيرة والصخور الكلسية، وحكايات الآثار الفينيقية والرومانية بالعثمانية والأندلسية.

 

مدخل بلدية تنس.. من هنا تبدأ حكاية السواحل الكنز

على طول الطريق الوطني رقم 11 الممتد من الجزائر العاصمة إلى وهران وهو طريق ساحلي يعانق زرقة البحر وخضرة الغابات، يتيح لك الفرصة للتمتع بشواطئ بلديات بني حواء، وادي غوسين، تنس، سيدي عبد الرحمن، المرسى والظهرة وهي البلديات الساحلية الشلفية، بعضها يتميز بأنه سياحي وبعضها الآخر لا يزال غير معروف، وكلها بلديات تتسم بالعذرية الطبيعية عدا مدينة تنس، فهي تحمل مزيجا من السياحة الطبيعية الشاطئية والجبلية والسياحة الثقافية والتاريخية وسياحة الترفيه والصيد.

 

مدينة ارتبط تاريخها بالبحر

تبعد مدينة تنس 53 كلم من عاصمة الولاية الشلف، وهي مدينة ساحلية تاريخية يرتبط اسمها بالبحر والتاريخ معا، فلا تزال الأسوار والمقابر والقصور والحمامات والآثار شاهدة على أن الفينيقيين والرومان والأندلسيين والأتراك القادمين من وراء البحر كلهم تركوا بصماتهم واضحة في هذه المدينة من خلال القصبة العتيقة والمنارة والميناء وبقايا معالم أثرية مختلفة تضاف إلى جمال الطبيعة الإلهي والمغارات التي استغلها الإنسان القديم في عيشه، كلها معالم سياحية تراثية تنتظر الاهتمام بها في غير فترة الصيف وسياحة الشواطئ.

الأسوار والأضرحة في تنس تشهد بدورها عن العصر الروماني والفينيقي مثل الآثار الرومانية لقلعة أولاد عبد الله التي صنفت كتراث وطني عام 1905، حيث أن تشييد المدينة التي كانت تسمى “كارتينة” يعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث كانت منطقة تجارية فينيقية، وأصبح اسمها تنس “Ténès” منذ عصر الممالك البربرية النوميدية، حيث كانت في الحدود الشرقية فوضعت تحت قيادة سيفاكس في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، ثم شهدت سيطرة القرطاجيين تحت حكم ماسينيسا بين 203 و193 قبل الميلاد، وفي العام 33 ميلادية أصبحت مستوطنة رومانية وأعطيت اسم “كارتن”، حيث جعلها أغسطس مستعمرة للتدريب العسكري لجنود الفيلق الروماني الثاني وتم العثور في نقوش الفسيفساء الرومانية على كايوس فلسينوس أبتاتوس وهو جندي من الفيلق.

وتم الفتح الإسلامي للمنطقة بين 675 و 682 من قبل القائد العسكري أبو المهاجر دينار وخضعت لدول مختلفة كالرستميين والإدريسيين والمرينيين والمرابطين والموحدين والزيانيين، ثم بدأ البحريون من أهل الأندلس في بناء المدينة الجديدة (مدينة تنس الحضارية) ومن مؤسسيها الكركني وأبو عائشة والصقر وصهيب وغيرهم إلى أن احتلها الإسبان في 1505م ثم طردهم من قبل خير الدين بارباروس في 1516، لتشهد بذلك مدينة تنس مرور العديد من الدول والحضارات.

 

قصبة التنس.. حافظة التاريخ المكنون

من القصبات المعروفة على مستوى الوطن توجد قصبة تنس التي بناها الأندلسيون بعدما هجروا ورحلوا من شبه الجزيرة الإيبيرية واستقروا بالعديد من مدن الساحل الجزائري، ومسجد سيدي معيزة العتيق هو المسجد المصنف ضمن المواقع التاريخية العالمية، ويعود تأسيسه إلى عرب الأندلس في القرن العاشر، وقد سجل المسجد معلما تاريخيا في 9 ماي سنة 1905 وهو يعكس فن الأندلسيين وذوقهم العالي، إضافة إلى مصلى لالة عزيزة وكذلك الحمام القديم.

وبقرب تمثال العذراء يوجد كذلك باب البحر ويتمثل في أسوار يرجع تاريخها إلى القرون الوسطى، ومنار تنس من أشهر المعالم التي تميز المدينة، وقد كان محل زيارة لشخصيات بارزة في العالم السياسي، أما دار الباي المنصف فهو بلاط يرجع إلى عهد الإمبراطورية العثمانية وهو ملجأ لباي تونس حين منفاه.. ولا ننسى منارة سيدي مروان في طريقنا إلى بني حواء ناحية الشرق أسفل جبل سيدي مروان على رأس تنس.

 

بين “القبة” و”المنارة”.. قصة لن تجدها إلا هنا

بني حواء الساحلية الجميلة هي مدينة تقع في الشرق من الساحل الشلفي، توجد بها قبة “الأم بينات” وهي راهبة فرنسية نجت من غرق سفينة “بومال” في نواحي ساحل بني حواء في القرن التاسع، راهبة أبهرت الناس بإنسانيتها وجلبت باهتمامها الخاص بالناس وبشجاعتها تقديرهم لها واعترافهم، حيث شيدوا لتخليدها هذه القبة الموجودة عند مخرج مدينة بني حواء.

أما غرب مدينة تنس فيتألق منار جزيرة “كولمبي” الموجود في مدينة المرسى قرب جزيرة كولمبي التي تتجمع فيها الطيور البحرية من شتى الأصناف، وقد كانت هذه الجزيرة المكان المفضل للفريق الفرنسي للغوص.

 

للإسترخاء والصيد

جنوب الشريط الساحلي للولاية، يوجد شريط غابي على جبال الظهرة التي تعلو 1200م فوق سطح الأرض، يتوفر على غطاء نباتي يعزز القدرات السياحية كغابة المرسى التي قدرت بـ 2000 هكتار وغابة القلتة بـ 5000 هكتار وغابة بيسا محمية طبيعية لأشجار الفلين والصنوبر الحلبي قدرت مساحتها بـ1437 هكتارا، غابات غنية بالحيوانات كالأرنب البري، الخنزير، الحجل والنسور، وهي مناطق صيد للهواة القادمين من الولاية وما جاورها، لتكون غابات الظهرة والمرسى والقلتة واحدة من إمكانيات السياحة الصيدية.

 

مواقع غابية.. تفتن القلوب وتسحر الألباب

ومن أهم المواقع الغابية على الشواطئ التي تؤلف منظرا باهرا “بوشغال” و”تراغنية” و”دومية”، خصوصا بمواقع المرجان الممتد على طول 70 كلم وهو الأوسع بين الشواطئ، يحده من الجهة الشرقية “واد المالح” و”واد تاغزولت”، ومن الجهة الغربية “القلتة” بداية من شاطئ “الدشرية” ببلدية “الظهرة”.

 

فنادق وعشر مناطق للتوسع السياحي

ولاية الشلف في مجملها تتوفر على ثمانية فنادق سياحية وثلاثة منها فقط على الساحل، وتتوفر الثمانية فنادق على 245 غرفة بطاقة استيعاب إجمالية تصل إلى 501 سرير، ومن أشهرها فندق الونشريس، ثم يليه فندق المدينة، وفندق فلاق، وفندق بلاتان. وفي فترة الصيف هناك 18 مخيما عائليا يفتح أبوابه للعائلات، وقد فتحت مديرية السياحة لهذا العام 26 شاطئا مسموحا للسباحة من بين 30 شاطئا.

ثراء طبيعي خلاب جعل مديرية السياحة بالشلف تدرج 10 مناطق للتوسع السياحي تتمثل في شاطئ مانيس، التراغنية، واد المالح، بوشغال، الدومية، وبني حواء، وادي تيغزة، القلتة، جزيرة كولومبي، المرسى وعين حمادي، ولكن تبقى في انتظار تجسيدها أو على الأقل البعض منها أمام ركودها جميعا، وهي توفر إمكانيات استثمار في ميدان السياحة والاستجمام يتمثل في تأسيس قرى سياحية للعطل وإقامات ومخيمات للشباب وفنادق ذات طابع دولي وموانئ للتنزه..

 

ق. م