لوحات فنية طبيعية مميزة ومعالم جاذبة للسواح
ليس من المبالغة في الكلام أو الوصف اعتبارها من أروع المدن الساحلية وأكثرها سحرا، بها واحد من أجمل الشواطئ ليس في الجزائر فقط، إنما في كامل البحر الأبيض المتوسط، حيث يتعانق فيه البحر والجبل في
صورة خرافية الجمال وبالغة الفتنة.
لمياء بن دعاس
تتوفر ولاية سكيكدة على شريط ساحلي يمتد على مسافة 140 كم، ويعتبر الأطول على المستوى الجزائري. وتعتبر شواطئ ولاية سكيكدة من أروع شواطئ الجزائر والبحر الأبيض المتوسط، ومن أشهرها شاطئ جان دارك وشاطئ تمنار والشاطئ الكبير (لاغروند بلاج) وقرباز، ومقابل هذه الشواطئ توجد جبال غابية تتميز بجمال ساحر.
أما عن موقع سكيكدة أو روسيكادا حسب التسمية الفينيقية، شرق الشريط الساحلي الجزائري على امتداد 130 كلم تقريبا، وتمتاز بشطآن غاية في الروعة والجمال.
وهي محصورة بين البحر الأبيض المتوسط، ولاية عنابة، ولاية قسنطينة، ولاية قالمة وولاية جيجل، كما تقدر مساحتها بـ 4137.68 كلم، فيما يتجاوز عدد سكانها 800000 نسمة، ويُعد ميناء سكيكدة حاليا من الموانئ الرئيسية في الجزائر، لما يتميز به من خصوصية لوجوده في المركز الروماني “سينوس نوميديكوس” في خليج نوميديا وهو واحد من الخلجان الأكثر أهمية في شمال إفريقيا، بين رأس بوقروني في الغرب ورأس الحديد في الشرق، وبفضله أصبحت سكيكدة نقطة التدفق لكل المبادلات التجارية القادمة من المدن المجاورة وكذلك هي محور تجاري بين الجوانب الأربعة “الشرق، الغرب، الشمال والجنوب” وهي أيضا مركز اتصال بين داخل المنطقة والبحر ومدينة سكيكدة شرقا، وهذا عبر مختلف فترات الاحتلال التي مرت عليها.
تاريخ أسطوري.. لمدينة أسطورية
أطلق الفينيقيون عليها اسم روسيكادا وذلك لأنهم كانوا يشعلون النار ليلا فوق رأس الجبل ليهدوا السفن إلى ميناء أسطورا نسبة للألهة عشتروت، وكان أسطورا ميناء روسيكادا الرئيسي، واختار الفينيقيون إقامة الميناء هناك لأن مياهه هادئة دائما ولأنه محمي من الرياح العاصفة، التي تصعب رسو السفن.
وبين فترتي الحكم الفينيقي والروماني كانت روسيكادا تحت حكم مملكة نوميديا الجزائرية، وقد ازدهرت فيها في فترتها، غير أن أوج ازدهارها كان في عهد الأباطرة الرومانيين الأنطونيين (96 – 182م)، حيث توسعت المدينة إلى أن بلغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة، بحسب بعض المصادر، وهو عدد ضخم في ذلك العصر. لكن الخراب حل بالمدينة مع قدوم حكم الوندال، الذين دمروها في عام 533 ميلادية.
وأصبح الجزء الأكبر من المدينة الفينيقية والمدينة الرومانية التي بنيت المدينة الجديدة على أطلالها مطمورا، ولم تتبق إلا بعض الآثار من المدينة الفينيقية القديمة في أعالي ميناء المدينة القديم “سطورا”.
أما المدينة الرومانية فأبرز ما تبقى فيها المسرح الروماني القديم، الذي كان يتسع لـ6000 متفرج، مما يدل على مدى أهمية المدينة وتوسعها في العهد الروماني. ويعتبر المسرح من أكبر المسارح الرومانية في إفريقيا.
شاطئ قرباز.. موعد التقاء البحر بالطبيعة
يعد شاطئ قرباز الخلاب الذي يقع وسط منطقة رطبة ذات أهمية دولية مصنفة ضمن اتفاقية رامسار وذلك ببلدية جندل شرق سكيكدة أحد المواقع النادرة والمميزة للساحل الجزائري حيث تتوفر على البحر والطبيعة العذراء.
ويشهد هذا الشاطئ كل سنة حركة دؤوبة من طرف المصطافين الوافدين إليه من مختلف مناطق البلاد تحديدا من ولايات قالمة وقسنطينة وأم البواقي خصوصا بعد تعبيد الطريق المؤدي إليه الذي يتوسط غطاء نباتيا متنوعا وكثيفا.
وللوصول إلى شاطئ قرباز يوجد طريقان، الأول عبر بلدية جندل بدائرة عزابة وهو طريق سهل يتوسط المنطقة الرطبة قرباز- صنهاجة والثاني عبر بلدية فلفلة شرق سكيكدة، حيث يضطر السائقون إلى عبور منطقة جبلية وعرة ومليئة بالمنعرجات.
ويعد عبور الطريق الجبلي المؤدي إلى شاطئ قرباز انطلاقا من أعالي منطقة العاليا ببلدية فلفلة مسلكا صعبا ومتعبا لأي سائق بسبب المنعرجات والمنحدرات وكذا لضيق الطريق، حيث يحتاج إلى الكثير من التركيز عند عبور سيارتين في اتجاهين معاكسين في نفس الوقت، حيث يجد أغلب أصحاب المركبات صعوبة في اجتيازه إلا أن رونق الطبيعة العذراء والجمال البري للمواقع المحيطة به تزيل عنهم كل تعب وتنسيهم كل مشقة.
المنطقة الرطبة قرباز – صنهاجة مقصد سياحي غابي مميز
ولمن يريد تغيير وجهته السياحية خلال موسم الاصطياف من البحر إلى الغابة، فإن المنطقة الرطبة قرباز – صنهاجة ستكون مقصدا سياحيا بامتياز له. فهذا الموقع الذي يتوسط بلديتي بن عزوز وجندل محمد سعدي يعد من بين أهم أجمل المناطق الرطبة على المستوى العالمي، إذ تتربع على مساحة إجمالية بـ 42100 هكتار وهي مصنفة ضمن المناطق العالمية المحمية طبقا للمادة 21 من اتفاقية رامسار الدولية.
وهي ممتدة عبر بلديات ابن عزوز والمرسى وجندل بولاية سكيكدة إلى غاية بلدية برحال بولاية عنابة.
وكل من يزور هذه المنطقة الرطبة ينبهر بجمالها، فهي تضم 9 بحيرات في غاية الروعة تتربع على 2580 هكتارا وتمتاز بطابعها البيئي الخاص سواء تعلق الأمر بطبيعة غاباتها المحيطة بها أو بنوعية النباتات الممتدة على طول هذه البحيرات من الجانبين، وما زادها سحرا وجمالا تلك البحيرات مما جعلها ملجأ وعلى مدار الفصول الأربعة لمختلف أصناف الطيور المهاجرة والنادرة في العالم ما أضفى على المنطقة جمالا خاصا.
أزيد من 200 صنف من الطيور تبهر كل من يراها
يعيش بمنطقة صنهاجة – قرباز ما يقارب الـ 230 صنفا من الطيور، 140 صنفا منها تعيش في المناطق الرطبة وهي في الأصل طيور جد نادرة على غرار النعام الوردي والكركي وأبو الساق الأبيض والبلشون الأرجواني والهدهد والنورس تسحر كل من يراها.
وقد أحصت محافظة الغابات لولاية سكيكدة خلال سنة 2015 ما تعداده 11185 طيرا مهاجرا بالمنطقة الرطبة قرباز صنهاجة، حسب ما أكده المكلف بالتنوع البيولوجي بدار البيئة “دنيا” لولاية سكيكدة بدر الدين سويسي.
وأوضح نفس المسؤول بأن هذا العدد في تحسن خصوصا وأنه تم إحصاء سنة 2014 ما لا يقل عن 7726 طيرا مهاجرا بذات المنطقة الرطبة، مرجعا هذه الزيادة إلى عدة عوامل أهمها المجهودات التي تقوم بها محافظة الغابات على غرار الدوريات المستمرة لتفادي الصيد العشوائي لهذه الطيور فضلا عن مراقبة النشاط الصناعي.
جمعيات تدق ناقوس الخطر لحماية المنطقة الرطبة
رغم كونها منطقة رطبة مصنفة عالميا، إلا أن غطاءها النباتي يظل عرضة باستمرار لاعتداءات مختلفة منذ عدة سنوات، ما جعل جمعيات كثيرة مختصة في مجال البيئة والطاقات المتجددة تدق ناقوس الخطر.
ومن بين هذه الجمعيات “بريق 21” لترقية الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة لسكيكدة التي تدعو باستمرار إلى ضرورة حماية المنطقة الرطبة قرباز – صنهاجة من هذه الاعتداءات، حيث أفاد رئيسها محمد طبوش بأن المنطقة الرطبة قرباز- صنهاجة تتعرض إلى إتلاف لخيراتها بسبب حرائق الغابات المفتعلة في أغلب الأحيان، وكذا تعدي العديد من الفلاحين عليها من خلال قيامهم باستغلال الأراضي عن طريق قطع الأشجار بطرق عشوائية، إضافة للرعي المفرط وغير المراقب ما تسبب في النقص الفادح للغطاء النباتي بهذه المنطقة.
وطالب رئيس ذات الجمعية السلطات المعنية بإيجاد حل سريع و فعال لهذا المشكل الذي يتفاقم يوما بعد آخر، ما يعرض -حسبه- الغطاء النباتي لهذه المنطقة الرطبة إلى التعرية، ويتسبب في هجرة عدد كبير من الطيور جراء نفاد المخزون المائي السطحي والجوفي.
“عين الشرايع”… لوحة طبيعية ووجهة سياحية جذابة
تزخر بلدية “عين الشرايع” التي تقع على ارتفاع 700 متر على مستوى سطح البحر وعلى بعد 11 كلم من مقر بلدية سكيكدة بطبيعة عذراء مكونة لوحة طبيعية خلابة و ساحرة، ووجهة سياحية جذابة تؤهلها لأن تكون نقطة جذب سياحية واعدة، حيث تمتزج المناظر الطبيعية الخلابة بزرقة البحر الساحرة، وصُنف أحد شواطئها من أروع الشواطئ على مستوى الوطن وهو شاطئ “واد بي بي” الذي يُعد تحفة طبيعية نادرة وإرثا سياحيا وتاريخيا هاما يعود إلى أزمان غابرة، ويبلغ طوله 3 كلم ويبعد عن القرية ببضعة كيلومترات.
وتتواجد بهذا الوادي حسب مديرية الثقافة آثار تاريخية لميناء يعود تاريخه إلى العصر الفينيقي، وما يزيده جمالا وجود القلعتين اللتين تتوسطان الشريط الساحلي للشاطئ بالإضافة إلى بقايا البنايات وقبور وآبار تدل طريقة إنجازها على قدمها.
وتعتبر “عين الشرايع” مكانا يبرهن على القدرة الإلهية في الكون، حيث يوجد بالقرب من البحر كهف بداخله مغارة يصعب الوصول إليها بها عين تسمى “عين الشفاء” كأنها مبنية بمادة الجير طعمها طبيعي وعذب ولكن إذا أخرج ماؤها إلى خارج إقليم البحر أصبح مالح الطعم غير قابل للشرب”، و هو ما حير كل من زارها واكتشفها.
وعلى الرغم مما يزخر به “واد بي بي” من جمال ورونق بإمكانه استقطاب السواح كما كان قبل العشرية السوداء لما تشتهر به طبيعته من نقاوة الهواء ومياه البحر البعيدة عن التلوث، إلا أن الولاية تبقيه ضمن قائمة الشواطئ غير المحروسة. وتعيد مصالح مديرية السياحة السبب إلى بعد هذه المنطقة وعزلتها، إلا أن المتتبعين يرون أنه من الممكن إنجاز دراسة تمكن في المستقبل من فتح المنطقة عن طريق إنجاز مسالك تقود إليه.
وتعتبر قرية عين الشرايع منطقة فلاحية بالدرجة الأولى خاصة في مجال زراعة الفراولة، وهي الممول الأول لكل الولاية والولايات المجاورة بهذه الفاكهة التي ذاع صيتها في الخارج أيضا.
كما تشتهر منطقة “عين الشرايع” بالأرض الخصبة و المناخ الملائم لإنتاج الفراولة “المكركبة” و”تيوقا” وأنواع أخرى كثيرة ومتنوعة الأشكال والمذاق حتى أصبحت هذه المنطقة مقصدا للتجار من كل الجهات خاصة الولايات المجاورة قسنطينة وقالمة وأم البواقي وباتنة، ويستحق سحر هذا الموقع وعظمة جباله ورماله الذهبية التي تعانق البحر الاهتمام أكثر بهذه الجوهرة الطبيعية.
الآثار الرومانية.. قصة زمان تصارع من أجل البقاء
لم يبق من روسيكادا العتيقة سوى معلمين تصديا للزمن والإنسان هما المسرح العتيق والقبة الرومانية، كما نجد بقايا الآثار الرومانية في مختلف متاحف هذه المنطقة، وبالأخص في المتحف البلدي.
القبة الرومانية… مساحة شاهدة على عراقتها
تقع القبة الرومانية بالقرب من ميناء الصيد بـ “ستورا”، هذا المعلم الأثري عبارة عن غرف كبيرة كانت تستعمل في تخزين المياه، حيث كانت تستوعب حوالي 3000 م3 في عهد الرومان.
الخزان الموجود تحت القبة والذي كان يستقبل المياه من المنبع المتواجد أعلاه عبارة عن روعة هندسية من الفترة الرومانية.
بغض النظر عن الأضرار التي لحقت بها لازالت مساحتها شاهدة على عراقتها، حيث تقدر أبعادها كالتالي: 8 أمتار عرضا على 9 أمتار ارتفاعا وبطول لا يقل عن 20 – 25 م.
من بين المخازن الأخرى للمياه، نذكر المخازن السبع الرومانية (سبع بيار) للبرج الوطني في أعلى الجزء الشمالي لبويعلا التي لازالت حاليا مستعملة في تزويد الأحياء العتيقة لسكيكدة بالمياه.
هياكل المباني العمومية بإيحاءات رومانية
بدخول القوات الفرنسية لسكيكدة في السابع من أكتوبر 1838، اكتشفت آثار مدينة قديمة عملاقة في روسيكاد، ونظرا للمواجهة البطولية للسكيكديين بقيادة زغدود اتخذ الفرنسيون قرار الإقامة في هذا الموقع فعجلوا بتشييد جدار للتحصين ومن ثم بناء مساكن جديدة فوق بقايا البنايات الرومانية وأعيد استعمال مربعات “القرانيت” التي تعود للفترة الرومانية في أغلب قواعد البنايات الإستعمارية الجديدة ويمكن ملاحظة ذلك في الحي النابوليتاني في الحائط الخارجي للمدرسة الأساسية الخوارزمي وفي العديد من أحياء المدينة الاستعمارية.
مسرح روسيكاد.. أكبر المسارح المشيدة في إفريقيا
مسرح روسيكاد مستوحى من المسرح اليوناني ومتكون من حجارة كبيرة محفورة في منحدر الجبل وقد شيد في أعالي الواد باتجاه الشمال الشرقي للمنطقة، ويعتبر الأكبر والأوسع بين كل المسارح المشيدة من طرف الرومان في إفريقيا الشمالية، حيث كان يتربع على مساحة 4900 م2 قبل أن يُدمر أثناء الاستعمار الفرنسي، فقد اختفت المنصة ولم يبق منها سوى الهياكل والمقاعد.
بلغ عرض هذا المسرح 82م وحسب هذه المقاييس كان يمكن أن يستقبل حوالي 6000 متفرج، وبالتالي هو أكبر بكثير من مسرح تيمقاد.
بني مسرح “روسيكاد” حسب تصميم مستوحى من اليونان له شكل نصف دائري بمقاعد منحدرة من المنصة إلى هياكل مرتفعة على شكل أقواس ضخمة مدعمة بأعمدة عملاقة، المقاعد متكونة من حفر أو فراغات، وفي مسرح روسيكاد المقاعد مصممة على منحدر الجبل والممرات المحيطة بالمقاعد فقط مرتفعة عن الأرض، وأحسن مقاعد المسرح متواجدة في الجزء السفلي وهي الأقرب إلى المنصة وهي مخصصة للشخصيات المرموقة، أما الجزء الأوسط فقد كان مخصصا للشخصيات المتوسطة والجزء الأعلى خصص لعامة الناس.
وأثناء العروض الكوميدية، كان المسرح يغطى بغطاء كبير للحماية من العواصف والشمس.
المحكمة.. معبد فكتوار
المحكمة مبنية على هياكل معبد فكتوار، الساحة المعلمة حاليا ساحة أول نوفمبر التي تمتد على الآثار المتواجدة حاليا لعين معلمية، المستشفى والثكنة الفرنسية السابقة التي شيدت على بقايا معابد جولبتار، ودار العجزة المبنية على معبد ميترا.