رحلة في عوالم السراب والأحلام
حيث الكثبان الرملية البراقة التي صبغها الضوء المتعاقب بين الليل والنهار، وما بين تداول الفصول بألوان رمادية بيضاء وصفراء، حيث ترسم في الأفق رؤى يختلط فيها الواقع مع الخيال .. وحين تريد مغادرتها فإنك تواجه
مساحات شاسعة، فيحملك تلاعب الأضواء والألوان إلى عالم آخر.. هو عالم السراب والأحلام وتأتي العواصف تجر معها بعض حبيبات الرمل في مراقصة ساحرة.. والهقار هي مقصد السواح الباحثين عن متعة المغامرة بين ممراتها الصخرية الملساء وحيث الرسوم والنقوش الأثرية التي تنبئ عن طريقة حياة إنسان تلك المنطقة قبل نحو 5000 سنة.
الهقار أو الأهقار هي سلسلة جبلية شهيرة تقع في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر بولاية تمنراست ،وهي تغطي مساحة 450.000 كم2 أي ربع المساحة الإجمالية للجزائر، وهي تمتد على مدار السرطان الوهمي الذي يفصلها عن الشمال، وهي عبارة عن تشكيلات جبلية بركانية ذات تاريخ عريق ضارب في أعماق الزمن والجداريات الصخرية القديمة تدل على ذلك، وأصبحت هذه المنطقة حظيرة لأهميتها في الجزائر والعالم.
حظيرة الهقار الوطنية.. مساحة شاسعة وآفاق واعدة
تقع الحظيرة الوطنية الهقار في أقصى جنوب الجزائر، على مساحة 450.000 كم 2، وهي الأكبر في الجزائر، وقديمة التكوين حيث يبلغ عمرها بين 600 ألف ومليون سنة، ما أدى إلى ترقيتها إلى حظيرة وطنية محمية من الديوان الوطني الجزائري سنة 1987 بموجب مرسوم رئاسي، وهو جهاز ذو طابع إداري وثقافي أسندت له من خلال مديرياته الثلاثة في كل من تمنراست وعين صالح وأدلس مهمة حماية وترقية هذا الإرث الحضاري بالمنطقة.
ممر الأسكرام… من أجمل ممرات العالم
والهقار منطقة معروفة عالميا بمناظرها الخلابة وسحرها الجذاب، فبين جبالها توجد أحد أعلى القمم بالجزائر وهي: قمة تاهارت أتاكور 3013 م، وكذلك يوجد بها أحد أجمل الممرات في العالم وهو ممر الأسكرام الذي يمكن منه مشاهدة أجمل شروق وغروب للشمس في الجزائر والعالم كله والمعترف به من اليونيسكو، ويبعد جبل أسكرام عن مقر ولاية تمنراست بـ 80 كم، يعتبر مقصدا مهما للسواح، وتستغرق الرحلة ثلاث ساعات حيث تشاهد قمة أسكرام التي ترتفع بحوالي 2800 م عن سطح البحر.
وعبر ممر الأسكرام تلاحظ وجود دلائل بدايات البشرية، كتابات، منحوتات، نقوش وغيرها من الدلائل على وجود حياة، برع سكان الأهقار في أقلمتها مع طبيعة قفار الصحراء، بل أكثر من ذلك، لم يكتفوا بالتأقلم إنما تفننوا في ابتكار حياة متكاملة حق وصفها بالحضارة، لم يتبق اليوم من حضارة الطوارڤ، أو الإيموهار، التسمية التي يحبذها سكان المنطقة الأصليون، سوى الفلكلور والعادات والتقاليد الراسخة يتناقلها الأهالي في إطار الأسرة بعيدا عن أي تدوين معرفي حقيقي بتاريخ المنطقة وحضاراتها.
نشاطات ومهرجانات تستقطب السواح من كل بقاع العالم
ومن مقاصد المنطقة السياحية المهرجان السنوي الذي تشهده الهقار، وهو تقليد يبرز تراث وثقافة الصحراء إلى جانب نشاطاته ذات الطابع الاقتصادي والتجاري التبادلي بين البلدان الصحراوية المجاورة.
حيث أصبح هذا المهرجان يستقطب السواح الراغبين في معايشة أجوائه الخاصة المفعمة بالنشاطات الثقافية والفنية والفلكلورية واستعراضات الإبل، إضافة لاستعراضات الفلكلور وعرض كل ما يرمز لعادات وتقاليد الأهقار الراسخة التي يتناقلها الأهالي في إطار الأسرة بعيدا عن أي تدوين معرفي حقيقي بتاريخ المنطقة وحضاراتها.
فندق “تاهات” لمحبي الاستجمام ومخيمات “سفاري” للمغامرين
من أجل السفر إلى الهقار ينبغي النزول في مطار تمنراست المسمى على اسم أحد أميز أمناء العقال في الجزائر والطوارق وهو حاج باي أخاموك، لاستقطاب السواح الأجانب والمحليين وتستغرق الرحلة من مطار هواري بومدين إليه مجرد ساعتين، وهناك يقيم السواح في فندق تاهات الشهير الذي يعد قبلة للسواح الأجانب وينطلقون منه عادة في رحلاتهم، وإن كنت من محبي الرحلات والمغامرات واختبار الصحراء بكل سحرها وجمالها، يمكنك اختيار المخيمات التي يملكها منظمو الرحلات الصحراوية والتي تعرف باسم “سفاري”.
الطوارق… تحكمهم العادات ويمتلكون العلم ويتغنون بفن “الأمزاد”
الهقار هي أيضا أرض الأجداد من مجموعة الطوارق الهقار الذين يتواجدون بالقرب من مدينة تمنراست ، ويسمون عادة برجال الزرق أو الرجال الملثمون، في واحة أباليسا من الممكن العثور على قبر تين هينان، وهي الأم الحاكمة التي كانت من الطوارق في الهقار، وفقا للأسطورة.
وهم شعب قديم يحكم حياتهم نظام عتيق من التقاليد والعادات ورثوها عن أجدادهم، الطوارق لديهم إرث قديم من الأدب والعلوم الطبية وعلم الفلك فهم يتجولون في كامل الصحراء الكبرى باستعمال النجوم ويستعملون في علاج الأمراض الأعشاب والحرق بالنار والجراحة إن اقتضت الحاجة.
ويمتلك أهل الهقار فنا يسمى موسيقى الأمزاد التي تِؤديها النساء بالعزف على آلة تسمى الأمزاد، وهي كمان بوتر واحد ولها أسطورة تتحدث عن تشكيل هذه الآلة عندما كانت القبائل تتقاتل وعبرت النساء عن احتجاجهن على ذلك فقمن بصنع الآلة وبدأن بالعزف بين قبيلتين تقتتلان وعند سماعهما صوت العزف على تلك الآلة، ألقيا أسلحتهما لعذب صوتها.
تنقيبات أثرية ضئيلة وبحوث عن حضارة مدت إشعاعها لكامل المنطقة
كشفت التنقيبات الأثرية في منطقة الهقار عن وجود آثار مادية وكتابات صخرية يرجع تاريخها إلى فترة العصر الحجري القديم، ما أوحى إلى الباحثين بأن ذلك دليل إما على كثافة نسبية في عدد السكان، أو أن أولئك الناس قد أقاموا لفترة طويلة من الزمن في ذلك المكان الذي عرف حضارة كبيرة شملت الصحراء الوسطى وامتد إشعاعها إلى أجزاء من إفريقيا.
فنحن إذا تحدثنا عن الوسط الطبيعي في الجزائر، فإنما نتحدث عن أكبر جزء منها وهي الصحراء، فمن الناحية الجيولوجية، لا نعلم عن الصحراء إلا القليل، وذلك راجع إلى عدة أسباب منها:
أولاً: أن علوم الأرض نشأت في أوروبا، وهي القارة الوحيدة التي ليست فيها صحراء، لذلك لم يهتم العلماء الأوائل بتضاريس الأراضي الجافة، ومعظم من جاء بعدهم أخذ عنهم.
ثانياً: أن الصحراء واسعة ويصعب الترحال فيها، ولا يقصد دراستها إلا قلة من العلماء.
ثالثاً: يغطي سطح الصحراء خليط من فتات الصخور والرمال، ويصعب على الجيولوجي تحديد أصل الرواسب وتاريخ تطورها، وإن كنا نجهل الأحداث التي أثرت على حياة جماعات ما قبل التاريخ، فإن مساحة الموقع ومكان تأسيسه، وطبيعة مختلف أجزائه المكونة، يمكن أن تعطينا مؤشّرات حول تركيبة الجماعة التي سكنته وبنيتها الاجتماعية وعلاقتها بالطبيعة.
ولهذا فإن طبيعة قيام نمو حضاري في الصحراء الجزائرية وبالخصوص في منطقة الهقار فيما قبل التاريخ مسألة يصعب أن نتتبعها بدرجة ملحوظة، ذلك أن عملية تأريخ البقايا الأثرية الصحراوية المبكرة تثير إشكاليات متباينة، فالدورات المُناخية الكبرى التي نتجت عنها العصور الجليدية الأوربية والفترات التي بين العصور الجليدية لم تُحدِث في شمال إفريقيا أكثر من مجرد تقلّبات في كميات سقوط الأمطار، كما أن التّغيّرات التي طرأت على الحياة الحيوانية كانت من التدرج بحيث لا تفيد الحفريات إلا فائدة قليلة في معرفة تاريخ ما يُعثر عليه.
ولما كانت دراسة التاريخ الحضاري من أعقد فروع الدراسات القديمة والحديثة، والمراجع ما زالت قليلة وتفتقر في معظمها إلى التّعميق والتحليل، كما أن الآثار التي أُمكن العثور عليها كانت غالبيتها في حالة بالية بعد أن دمّرتها وشوهتها عاديات الطبيعة.
كما أن معرفة التغيرات المناخية الصحراوية في الزمن الجيولوجي الرابع، أصبحت ذات فائدة أساسية في دراسة التطورات البيئوية، فنظرا إلى أن الجزائر تكتسحها الصحراء بنسبة كبيرة وتزداد هذه المساحة بمرور الزمن، فإن هذا القفر الواسع سيلعب دورا في مستقبل البلاد تكون أهميته على قدر معرفتنا الدقيقة لماضيه، وأن نكران ذلك يحرفها من كل ركيزة معقولة ومن كل قيمة معلومة.
رسومات صخرية تجسد حيوانات المنطقة
لقد اعتمد اقتصاد إنسان الهقار في العصر الحجري الحديث بصفة عامة على الزراعة وتربية الحيوانات، فمعظم البقايا الحيوانية تنتمي إلى أنواع مستأنسة، ولا يُعرف حتى اليوم ما هي المراحل الأولى التي سبقت استئناس هذه الحيوانات، وعلى أي حال هناك عدد من النظريات التي تنادي بأن الخطوة الأولى لاستئناس الحيوان أخذت مباشرة من ممارسة الصيد، هذه النظرية تعتمد على أن النساء أحدثن تقدما ملحوظا في الزراعة، الأمر الذي ترتب عليه وجود فائض من الطعام سمح بإطعام الحيوانات الجائعة، وبازدياد اقتراب الحيوانات وملاءمة حياتها للواحات الموجودة في الصحاري أعطت للرجال فرصة معرفة عاداتها، الأمر الذي جعلهم يحاولون ترويضها بدلا من قتلها ومن ثم بدأوا يربونها.
وفي مجال دراستنا هذه لابد أن نبحث باختصار النواحي البيولوجية لاستئناس الحيوان، فالحيوانات التي كوّنت القطعان الأولى في مواطن الزراعة وتلك الحيوانات البرية التي دخلت إلى المنطقة كانت في العادة أصغر بكثير من الحيوانات المفترسة المنتشرة بجانب المنطقة، والتفسير المقبول الذي وضعه الباحثون، هو أنه مهما اختار الإنسان أقزام الحيوانات من بين المجموعات المتوحشة، إلا أنه استطاع أن يستمر في تهجين حيوانات أصغر وأضعف وأكثر وداعة، ومعظم التغيرات الجسمانية التي طرأت على هذه الحيوانات عند استئناسها كانت راجعة لاختيار الإنسان سلالات معينة.
ولعل من الأهمية بمكان أن هناك ما يشير إلى أن الصحراء الجزائرية إنما كانت في العصر الحجري الحديث مسكونة بقوم من الرعاة، لهم قطعان من الخراف والماعز والثيران والبقر، فضلا عن الحصان والجمل والحمار، هذا وقد دلت الرسوم الصخرية على مدى انتشار الحيوانات في هذه المنطقة.
ففي الفن الصخري جُسّدت أنواع من البقر وهي ذات قرون مختلفة، فأبقار لها قرون متوازية، وأخرى ذات قرون على الأمام، ومن بين الحيوانات الممثلة في المشاهد الصخرية نذكر الفيل ووحيد القرن وفرس النهر الذي عثر على بقايا له، ومن الطيور لدينا مشاهد عديدة للنعامة، ومن المشاهد الغريبة التي جُسّدت بها نجد صورة جسم نعامة ولكن برأس زرافة وكذلك صورة نعامة بأربعة أرجل، وصورة أخرى لنعامة بقرون كبيرة، ونفس التجسيد رسمت به حيوانات أخرى نذكر منها، الأبقار الثنائية الرؤوس وزرافات برأسين.
إضافة إلى هذه الحيوانات المذكورة فقد جسدت حيوانات أخرى منها: الغزال، الأسد، الفهد، الحمار الوحشي، والقردة والتماسيح التي عثر على بقاياها أيضا، أما الأسماك فهي مجسدة في مشهد السباحين.
التوارق… مقاومة باسلة للاستعمار الفرنسي
مع أنه لم يكن هناك اتحاد قوي بين قبائل التوارق، وكان من المألوف قيام غزوات بين القبائل التارقية نفسها، إلا أنه لم تسيطر أي قوة خارجية على موطن التوارق قبل الاستعمار الفرنسي، ولم يواجه الفرنسيون حينما سعوا أول مرة لتوسيع إمبراطوريتهم الاستعمارية مملكة طارقية متحدة تمتد من أزواد إلى جنوب غرب ليبيا، غير أن قبائل التوارق منفردة أظهرت قدرات تنظيم ومهارات عسكرية فائقة في إلحاق الهزيمة بالحملات العسكرية الفرنسية التي غزت أراضيهم خلال القرن التاسع عشر، وبالرغم من أن الفرنسيين احتلوا مدينة الجزائر عام 1830 وأعلنوا شمال الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا سنة 1848، فإنهم لم يتمكنوا قبل 1902 من إلحاق هزيمة عسكرية مهمة بقبائل الطوارق، ولم يتمكن الفرنسيون حتى العشرينات من القرن الماضي من السيطرة الكاملة على المناطق الصحراوية، وقد كتب كاتب فرنسي معاصر لفترة المواجهات بين التوارق والاستعمار الفرنسي في أوائل القرن العشرين، يقول: إن فرنسا تتساءل ماذا يريد هذا الشعب؟ الذي يحاربنا في كل مكان.
وقاوم الطوارق الاستعمار الفرنسي بقيادة الشيخ آمود أغ المختار في الصحراء الجزائرية منذ دخوله إياها، وكان أول احتكاك للطوارق مع الاستعمار الفرنسي سنة 1881 م بجملة من معارك أهمها معركة بـ “بئر الغرامة” التي قتل فيها الكوماندان الفرنسي ” فلاترس”، وقد أثر مقتله على نفوس القادة الفرنسيين الذين لم يعودوا للمنطقة إلا سنة 1889 م، وقد نشبت بعد ذلك معارك بين الطوارق والاستعمار الفرنسي، من أهمها: معركة إليزي سنة 1904، ومعركة جانت سنة 1909، وبعد احتلال الفرنسيين لتمنراست سنة 1911 جرت معارك أخرى بين الاستعمار الفرنسي والتوارق، منها: معركة إيسين سنة 1913، ومعارك أخرى في عين صالح وتمنراست وعين إيمجن سنة 1916، واستمرت مقاومة الطوارق في الصحراء الجزائرية إلى غاية 1923 وأمام الزحف الـمتواصل للجيش الفرنسي الـمدجج بالأسلحة الحديثة، والإمدادات الكبيرة أجبر المجاهدون التوارق بقيادة الشيخ آمود أغ المختار على مغادرة الـمنطقة إلى منطقة فزان بليبيا في 1923، ليستقروا بها إلى جانب المجاهدين الليبيين، إلى أن توفي قائد المقاومة التارقية الشيخ آمود أغ المختار سنة 1928.