السياحة في تيميمون لا مثيل لها في الموسم الشتوي، حيث تعتبر ملجأ الباحثين عن الهدوء والسكينة، ومقصد الراغبين في الاستجمام المريح، فمدينة تيميمون المميزة بطابعها العمراني الفريد من نوعه استحوذت على لقب “الواحة الحمراء”، نسبة إلى بيوتها الحمراء.
مدينة تيميمون أو عروس الصحراء كما يلقبها زوارها، تمتاز بطابع عمراني ومعماري فريد من نوعه، الأمر الذي دفع بالباحثين الفرنسيين وقت الإستعمار إلى تصنيفها على أساس أنها من أروع واحات المنطقة، كما وصفها أحد الباحثين بأنها واسعة وغنية وخصبة، وأفضل من الواحات التي زارها تحيط بها من كل الجهات هضاب وتلال صغيرة ذات تربة حمراء وتوجد بها قصور قديمة آية في الجمال ومترامية الأطراف بين كثبان الرمال ومغاراتها وقصباتها القديمة وواحات النخيل الكثيفة والأشجار والنباتات الصحراوية، مشكلة بذلك فسيفساء لوحة فنية تشكيلية مفتوحة على الطبيعة الصحراوية الشاسعة.
ويقصدها الباحثون عن استراحة دافئة في الشتاء الباردة، حيث تعرف تيميمون حركة نشيطة على مدى الموسم السياحي الشتوي الممتد من شهر أكتوبر حتى شهر ماي من كل سنة، ويعد الأوروبيون من أكثر السياح انجذابا لهذه المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري، نظرا لطبيعتها الخلابة وخصوصياتها الجغرافية، إلى جانب مناخها المعتدل في هذه الفترة من السنة.
“تيميمون” مدينة سيدي ميمون
تقول الرواية إنّ “تيميمون” قبل أن تُبنى كمدينة قائمة بذاتها، كانت عبارة عن منطقة شاسعة تسكنها مجموعة من القبائل المتفرقة هنا وهناك، في قصور قديمة، إلى أن جاء الشيخ “سيدي موسى” أحد كبار الأعيان، وقال إنّه من الضروري جمع هذه القبائل وإضفاء طابع المدينة على المنطقة، ففكّر مليّا لتكون فكرة إنشاء سوق تستقطب سكان المنطقة المتباعدين، وبنى الشيخ أوّل سوق في الجنوب سمي على اسمه “سوق سيدي موسى” لمّ به شمل كل القبائل المتفرقة التي نزلت إلى المنطقة، فبنيت البيوت وعمّرت المدينة.
أما عن أصل تسمية “تيميمون”، فقال المؤرخون إن هناك رواية يتناقلها سكان تيميمون عن آبائهم “إنّ شخصا يُدعى ميمون كان أوّل الوافدين إلى المنطقة، فسمّيت المدينة باسمه، وكان السكان يقولون “تين ميمون” أين نسبوا المدينة إلى ميمون (مثلما يُقال بالعامية تاع ميمون)، وبعدها حذفوا حرف “ن” وأصبحت الواحة تُعرف باسم “تيميمون”، ويُعتبر اسما “ميمون” و”المأمون” من أكثر الأسماء تكرارا على أبناء المدينة.
شخصيات عالمية عشقت تيميمون فأدمنت زيارتها
خصوصية منطقة تيميمون جعلت الوافدين إليها لا يقتصرون على الأشخاص العاديين فحسب، وإنما يمتد للشخصيات السياسية التي تفضل قضاء أيام الراحة بهذه المدينة الجميلة، خصوصا الأيام الأخيرة من السنة مثلما يفعل الكثير من عشاق هذه البقعة الصحراوية، وكانت تيميمون محطة مهمة بالنسبة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بيريز ديكويلار منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وفي السنتين الماضيتين من القرن الحالي توافد عليها ملك إسبانيا وزوجته والوزير الأول البرتغالي، وسفراء كثير من بلدان العالم المعتمدين لدى الجزائر، إضافة إلى أمراء الخليج الذين يستمتعون بهواية الصيد في صحرائها.
وغالبا ما يأتي السياح إلى تيميمون، عبر رحلات مباشرة من أوروبا، تنظمها وكالات سياحية داخلية أو خارجية، وهذا يكون غالبا لقضاء عطلة نهاية السنة أو غيرها من العطل الشتوية، وهناك رحلات جوية مباشرة من باريس وروما باتجاه مطار تيميمون، أما الرحلات الفردية، فتتم عن طريق مطارات هواري بومدين بالجزائر العاصمة أو من مطار السانية بوهران، ثم بعد ذلك مطار الشيخ سيدي محمد بلكبير بأدرار مقر الولاية أو المحافظة التي تنتمي إليها تيميمون، وهناك رحلتان في الأسبوع إلى مطار تيميمون: واحدة من الجزائر العاصمة، وأخرى من وهران.
وهناك أيضا الرحلات البرية التي تتم بواسطة السيارة انطلاقا من أوروبا إلى موانئ المدن الشمالية الجزائرية، ومنها إلى تيميمون، وهذا النوع من الرحلات انتشر أيضا بشكل واسع، حيث لوحظ خلال السنوات الأخيرة الكثير من السياح بسياراتهم أو بسيارات تابعة لوكالات سياحية أوروبية.
سلع تقليدية بأسعار معقولة
متعة للناظرين.. وزينة للمقتنين
تُحصي مدينة تيميمون أزيد من 30 قصرا. والقصر عند التيميمونيين يُقصد به التجمعات السكانية المبنية بالطوب الأحمر المحلي، تحيط به حقول وبساتين وواحات نخيل، لأن سكان المنطقة يعتمدون في نمط عيشهم بالدرجة الأولى على الزراعة التقليدية التي تسقى بآبار متصلة ببعضها البعض تعرف محليا باسم “الفقارة”.
في مدينة تيميمون، يوجد شارع رئيسي واحد مزفّت، أمّا البقية، فعبارة عن أزقّة رملية، محلاّت المدينة تهتم كثيرا بتجارة الأقمشة و”الشاش” بالدرجة الأولى، إضافة إلى ملابس الأطفال، حجابات نسائية أو”قشابيات” رجالية تتعدد بين الصوفية والوبرية.
أما عن الأسعار فهي معقولة في تيميمون مقارنة بما يُباع داخل المغارات وبالمناطق السياحية سالفة الذكر.
أما السياح فغالبا ما يقصدون منطقة “القصر القديم”، وهي شارع واسع عريض، محلاته موزعة على الجانبين أغلبها تبيع منتوجات تقليدية من حلي وأواني فخار وحقائب جلدية، والبعض الآخر مختص في الأقمشة والألبسة، ناهيك عن محلات العطور ومواد التجميل والمواد الغذائية.
قصبات وقصور تعود للقرن 12 ميلادي
إضافة إلى القصور العتيقة تتميز تيميمون بقصباتها العديدة، والقصبة هي عبارة عن تجمع سكاني قديم يبنى غالبا على قمة جبلية وتكون أسفله مغارة، وكانت تستعمل قديما للإختباء أثناء الحروب والغزوات وتضم القصبة أربعة أبراج للمراقبة، إذ يمكن التموقع فوق الجبل من رؤية العدو من مسافات بعيدة، وتوجد بالمنطقة قصبات وقصور قديمة جدا يعود تاريخها إلى القرن 12 ميلادي، وهناك ما يزيد عن هذه الحقبة التاريخية، مثلما هي الحال مع قصر إيغزر الذي يبعد عن مدينة تيميمون 40 كلم، وبه مغارة كبيرة جدا، باردة صيفا ودافئة شتاء وتمثل تراثا قديما، والمغارة فوقها قصر قديم يعود إلى مئات السنين. وما زالت إلى حد الساعة وجهة سياحية لزائري المنطقة.
وهناك قصر أغلاد الواقع على بعد 60 كلم شمال المدينة الذي استفاد من مشروع ترميم موّله برنامج الأمم المتحدة للتنمية ضمن برنامج ضخم أطلق عليه “طريق القصور”.
أمّا المنطقة الأثرية أولاد سعيد فقد صنفت ضمن المناطق الرطبة في العالم.
هذه المناطق هي التي تشكل المعالم السياحية المهمة بالمنطقة إلى جانب قصور ماسين، بني مهلال، زقور، بدريان وأخرى.
مرافق تقليدية تستقطب السياح الأوروبيين
أما نوعية المنتوج السياحي بالمنطقة، فيتوزع على رحلات بسيارات رباعية الدفع تجوب الصحاري الشاسعة ورحلات بالجمال وسط كثبان الرمال، إضافة إلى رحلات المشي على الأقدام، وهو ما يفضله بعض الأوروبيين الذين يفضلون نصب الخيام في الخلاء، ينامون في عمق الصحراء يستمتعون بحركة النجوم وسكون الليل والتمعن في ضوء القمر الساطع، مما يضفي على المكان منظرا أجمل تطبعه في النهار شمس دافئة، ويزداد المنظر جمالا عند مغيب الشمس، وهي تختفي بشكل تدريجي بين كثبان الرمال حتى إن الشمس تلتقي مع الأرض، في مشهد لا يمكن رؤيته إلا في الصحراء.
وهناك إقبال كبير على المخيمات التي تتوسط واحات النخيل وتوفر جوا تقليديا يجعل الإنسان يتعايش مع أصالة وعراقة المنطقة، وهذه المرافق التقليدية منتشرة بشكل واسع في المنطقة لأنها تستقطب أكبر عدد من السياح الأوروبيين. ويصل عدد المرافق السياحية بالمنطقة إلى 10 من بينها فندق واحد 3 نجوم تابع للقطاع العام يطلق عليه فندق قورارة الذي أعيد فتحه بعد أشغال الترميم، نسبة لاسم إقليم تيميمون الذي ينتمي سكانه إلى العرق الأمازيغي ويعرف محليا بالمجتمع الزناتي نسبة إلى لغة السكان الزناتية، ومن بين هذه المرافق أيضا هناك مخيمات تقليدية وفضاءات للاستراحة، أهمها جنان الملك التي تشهد إقبالا معتبرا للزوار، وتتراوح تكاليف الإقامة بهذه الفضاءات السياحية ما بين 30 إلى 60 دولارا لليلة الواحدة.
إعادة فتح فندق قورارة بتيميمون بعد استكمال عملية تهيئته
أُعيد فتح فندق قورارة التابع لسلسلة “الجزائر” بعد استكمال عملية التهيئة التي استفاد منها ومكنت من ترقية هذا المرفق السياحي إلى فندق من الدرجة الرابعة، وفق المعايير الدولية خاصة بعد ضم هذا الفندق لسلسلة الجزائر التي تضم 5 وحدات على المستوى الوطني موزعة على كل من الجزائر العاصمة وبوسعادة بولاية المسيلة إلى جانب ولايتي أدرار وبشار، وقد تم في إطار عملية الإنجاز مراعاة الحفاظ على الطابع المعماري المحلي لإقليم قورارة الذي تميزه الأقواس الهندسية واللون الأحمر الآجوري للجدران الخارجية مما جعل منه تحفة معمارية تشكل إضافة إلى الواحة الحمراء التي تسحر أعين من يزورها من أول وهلة.
ومن أهم الخطوات التي تم أخذها بعين الاعتبار في عملية إعادة التهيئة حسب المعنيين هو تدعيم الفندق بمحطة لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة رسكلتها لاستعمالها في سقي واحة النخيل المقابلة للفندق، والتي تشكل أهم عنصر وميزة جمالية للفندق من خلال موقعها الفسيح المعانق لكثبان الرمال الممتدة صانعة بذلك لوحة فنية عن أفضل غروب شمس. كما ساهمت هذه العملية في رفع طاقة استيعاب فندق قورارة إلى 98 غرفة تضم 196 سريرا إضافة إلى جناحين عائليين. كما يضم الفندق عدة مرافق للراحة والاستجمام على غرار البهو الداخلي المرصع بفسيفساء فنية محلية إلى جانب فضاء على الهواء الطلق للاستمتاع بواحة النخيل ومنظر غروب الشمس.
تظاهرة “أهليل”…. قعدة في رحاب الفرق الموسيقية المحلية
تهدف تظاهرة “أهليل” المنظمة تحت إشراف وزارة الثقافة إلى الحفاظ على هذا التراث العريق المصنف ضمن روائع التراث العالمي اللامادي من طرف منظمة اليونيسكو منذ سنة 2005، من خلال ضرب موعد وطني سنوي بعاصمة إقليم قورارة لهذا الموروث التراثي العريق وإيصاله للأجيال القادمة.
ولا تخلو السهرات التيميمونية من القعدة في رحاب الفرق الموسيقية المحلية، كل أمسية تُنظّم سهرات موسيقية في أحد قصور حي “سوق سيدي موسى”، خيمة منصوبة، نار مشتعلة، والنجوم تزيّن السماء.
تبدأ الجلسة التيميمونية بمأدبة عشاء، تُقدّم فيها أشهى المأكولات التقليدية، على غرار كسكس الشعير، البركوكس، تيبعيرين (وهي عجائن تُطهى في المرق تشبه إلى حدّ ما أكلة تيكربابين المشهورة)، إلى جانب الرقاق (وهي أكلة تشبه الشخشوخة البسكرية)، القاسم المشترك بين هذه الأكلات هو لحم الإبل الحاضر في كل الموائد التيميمونية، بالنسبة للمشروبات فماعدا المياه المعدنية “قولية” و”آيرس” لا وجود للعصائر ولا المشروبات الغازية إلاّ للضيوف.
ناهيك عن الشاي التيميموني الشهير، الذي يحضّر عبر 3 مراحل، الأوّل يسمّى “الشاي القاطع”، مذاقه قوي جدّا الملائم مباشرة بعد الأكل، والثاني مذاقه معتدل نوعا ما، أمّا الثالث فخفيف يغلب عليه طعم النعناع.
بعد انتهاء وجبة العشاء تبدأ الفرقة الموسيقية بعزف وغناء مقاطع موسيقية محلية من أجل التعريف بالتراث، فرقة متكونة من ستة أفراد يقودها أصغرهم سنّا المدعو “التوهامي”، يجلسون على الأرض فوق زرابي، الأوّل يضرب على دربوكة من الجلد كبيرة الحجم، الثاني يعزف على آلة السانتي، الثالث يلامس أوتار القيتار، الرابع يحمل دربوكة صغيرة من الجلد يضرب عليها بيد واحدة، إضافة إلى القرقابو التي لا بدّ وأن تكون حاضرة في كل الفرق الموسيقية، كما يتم جلب شخص مختص في التصفيق.
ولأن الفن كائن حيث يكون الإنسان، فأهل القورارة يتميّزون بأهازيجهم الشعبية وفلكلورهم الذي يحيون به ليالي أفراحهم. وتعد أهازيج “أهليل” ذي الأصول الزناتية القاسم المشترك بين جميع سكان منطقة قورارة، بالإضافة إلى أهازيج الطبل ذي الأصل العربي والقرقابو ذي الجذور السودانية. ومن عادة أهل قورارة أن يحيوا حفلاتهم من منتصف الليل إلى فجر اليوم الموالي وسط أهازيج الفرق المحلية التي تصطف رجلا إلى جنب رجل في شكل دائري ويرددون أشعارا تتضمن بعض المديح النبوي.
“الله يهديك يا السمرا الله يهديك، أنت وردة وأنا الفلاح نسقيك”، وهي أغنية محلية مشهورة عند سكان تيميمون.
مشاريع تنموية لتطوير السياحة في تيميمون
الإقبال المميز على المنطقة دفع الدولة إلى الاهتمام بها، من خلال تخصيص جملة من المشاريع التنموية لتفعيل النشاط السياحي أكثر بتيميمون والأقاليم المحاذية لها ذات الجاذبية والخصوصية.
ولعل أبرز هذه المشاريع إنجاز قرية سياحية بتينركوك نحو 70 كلم متر شمال مدينة تيميمون وفق المواصفات البيئية العالمية، تضم تجمعات سكانية على الطريقة التقليدية، مع الأخذ بعين الاعتبار الهندسة المعمارية المحلية للحفاظ على خصوصية المنطقة الصحراوية، هذه التجمعات تزود بالكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية مع إعادة معالجة المياه بالمنطقة ومحطة لمعالجة النفايات.
هذه تيميمون، يطول الحديث ولا ينتهي عن الواحة الحمراء قبلة السياح بدون منازع. مع أمل أن يكون الموسم السياحي لهذه السنة ممتدا إلى غاية شهر ماي المقبل يمكن أن يكون فرصة تُستغل لإعادة بعث السياحة في إطار توفير الأمن بالمناطق المجاورة، باعتبار السياحة موردا هاما للاقتصاد الوطني.


















