لم يبح الشاطئ الجزائري بكامل أسراره وما زال يحتفظ ببعضها، وهو ما جعله مصدر إلهام وقبلة العشاق ونقطة استفهام المغامرين التي لا نهاية لها، حيث لا تزال الكثير من خلجانه السرية وجزره المهجورة والمأهولة غالبا بحراس المنارات المضيئة لدروب البحَّارة والصيادين بين عباب البحار، وهو ما يزيد هذه الجزر غموضا ورونقا.
جزيرة سيريجينا…. واحدة من أسرار البحر التي لم يرغب في البوح بها كاملا إلى اليوم، وهي واحدة من جزر الساحل السكيكدي الذي يحوي عشر جزر تعد “سيريجينا “أكبرها، وتقع هذه الجزيرة قبالة “الشاطئ الكبير” (“لا كراند پلاج”) الذي يقع في عاصمة الولاية السكيكدية.
فاتنة الزوار وساحرة ضيوفها

تعد جزيرة سيرجينا موطنا للعديد من أنواع الطيور النادرة وغير النادرة، ولا يمكن زيارة ولاية سكيكدة دون رؤية الجزيرة المحتوية على منارة مربعة الشكل تعود للحقبة الاستعمارية، وتوجد في الجزيرة بعض الآثار الرومانية والفينيقية أيضا.
وتكون الجزيرة مكتظة بالمصطافين خلال موسم الاصطياف، فرغم صغرها إلا أنها تستوعب الآلاف من الراغبين في التمتع بالجانب الجمالي للجزيرة، التي تزيد مدينة الفراولة جمالا وبهاء بإضفائها للمستها البحرية المتوسطية على المدينة وحقولها الحمراء، كما أن الجزيرة تشهد نشاطا سياحيا غير مسبوق بتخصيص رحلات بحرية لها، كما أن الأجانب يتوافدون عليها بكثرة لأن معظم ورشات عمل الشركات الأجنبية قريبة منها وأهم جنسيات السواح من تركيا والصين وإيطاليا وفرنسا.
“جزيرة الملكة”.. تشبع شغف الباحثين عن المتعة والجمال

شاطيء رملي وآخر صخري، يثيران انبهار من يراهما ويشبعان شغف الباحثين عن الجمال والسكينة والهدوء، والتمتع بزرقة سماوية وجمال أخَّاذ، جزيرة الملكة كما أطلق عليها الرومان، وحسب ما ذكرته الروايات، فإنَّ “إنسولا ريجينا” أي جزيرة الملكة، اعترافا وانبهارا بجمالها، هي “سيريجينا” اليوم، و”رأس الخليج” في تسمية أخرى للفينيقيين عن ترجمة حرفية للكلمة البونية المركبة “روس غونيا” في روايات أخرى، ضمن قراءة وبحث مأخوذين من كتاب “سكيكدة.. مقتطفات ذاكرة”، عن حضارة الفينيق والصادر شهر جويلية الماضي لصاحبه الكاتب والإعلامي خيدر أوهاب، فالفينيقيون تواجدوا بسطورة لأكثر من 1000 عام قبل الميلاد.
ربع ساعة تنقلك من الواقع إلى الخيال

تقوم القوارب السياحية العاملة انطلاقا من ميناء سطورة بشق المياه المتوسطية نحو جزيرة “سيريجينا” الواقعة على بعد حوالي ربع ساعة عن الميناء، قبالة الشاطئ الكبير، باتجاه الغرب في عرض البحر، حيث تلوح منارة الجزيرة من بعيد، ويبدأ العدُّ التنازلي لاكتشاف أهمِّ المناطق السياحية وحتى الأثرية جمالا وعذرية في المنطقة.
وتتكشَّف لك الجزيرة الساحرة رويدا رويدا، ببلوغ صخرة ضخمة تتوسط البحر، يقال إنها تتربع على مساحة 6 هكتارات، تعلوها منارة مشيدة في القرن الـ19 للميلاد، وتحديدا العام 1874، لإرشاد السفن المنطلقة من ميناء سكيكدة، في الحقبة الاستعمارية، وتستقبلك منصَّة صغيرة على شكل باب روماني، على الأرجح، تدخل منه جزيرة “سيريجينا”، وكأنك بلغت أحد معالم آلهة اليونان القديمة، كيف لا وقد قبعت تحتك ببضعة أمتار حجارة وآثار فينيقية ورومانية، ما زالت ظاهرة للعيان، وسط المياه الشفافة حدَّ الزجاج، وتصعد سلالم يؤدي يمينها إلى المنارة، وتطلَّ يسارا على جمال عذري اكتشفه القلة القليلة من الناس، لتلقي بجسدك في المياه بين الصخور والمعالم الأثرية التي تأبى الاندثار.
أكبر الجزر العشرة والقبلة الأولى للمصطافين

تعدُّ جزيرة “سيريجينا” بسكيكدة واحدة من أكبر الجزر الـ 10 المنتشرة على ساحل المدينة، وإلى جانب الآثار الفينيقية والرومانية القديمة، والمنارة المرمّمة العام 1961، تعيش الطيور فوق الصخرة حادة التضاريس، وكأنها غير راغبة في دوس عذريتها الطبيعية، وبلوغ يد الإنسان لها، زيادة على نباتات بحرية ومتوسطية، وبالرغم من بعدها عن الشاطئ، نوعا ما، إلا أنها تبقى القبلة الأولى المفضلة للكثيرين، من أبناء “روسيكا”، وباقي الولايات وحتى البلدان الأخرى، نظرا لزيارة العمال والسياح الأتراك والصينيين وغالبية بلدان آسيا لها، حيث عبروا عن إعجابهم الكبير بما تحتويه الجزائر، وجزيرة “سيريجينا” من سحر يسلب العقول.
وبالرغم من صغر الجزيرة إلا أنَّها تستقطب عددا هائلا من المصطافين، خاصة الشباب، القادمين من مختلف الولايات، الذين سحرهم الجمال الخلاَّب لـ “سيريجينا” وأبوا هذا العام إلا القدوم إليها، مجددا، كما تقصدها العائلات عبر القوارب السياحية، برحلة بحرية تتراوح بين 4000 و6000 دج، للمكوث والتقاط بعض الصور للذاكرة، والصعود نصف المسافة نحو المنارة، على اعتبار أنَّه يمنع منعا باتا الدخول إليها، إلا بأمر من حرس السواحل والبحرية الجزائرية.
قطب سياحي بامتياز تنقصه الإلتفاتة

وتعتبر جزيرة “سيريجينا” أهم الوجهات السياحية لولاية سكيكدة، خاصة لمحبي البحر وركوب أمواجه، غير أنَّ السلطات المحلية لا تستفيد بشكل مباشر من السفر نحوها، نظرا لعدم وجود رحلات منظمة إليها، وهو ما يعني أنَّ موردا هاما لمداخيل الخزينة لم يُستغل بعد بولاية سكيكدة الجذابة التي تقول الإحصاءات إنها استعادت هذا الموسم بريقها وسيَّاحها.
ولاستكشاف المنطقة والبحوث العلمية مكان في المنطقة

من جهة أخرى، دعا العارفون بخبايا الولاية والنشاط السياحي وحتى العلمي، المسؤولين لتنظيم رحلات استكشافية وأخرى علمية لصالح مختلف المؤسسات والمعاهد الجامعية، نحو جزيرة “سيريجينا”، حيث بإمكان المتخصصين في التاريخ وعلم الآثار التنقيب بين صخور وآثار المنطقة، لمعرفة التاريخ الصحيح لها، بل وحتى محاولة استكشاف الكنوز المطمورة بها، إن وجدت، وكذا المختصين في علم البيئة لمعرفة أنواع النباتات النادرة الموجودة بهذا المكان الخلاب، وحتى استقطاب السواح الأجانب لتحصيل المزيد من العملة الصعبة.
إمكانات شحيحة وشباب يرفع التحدي

استغل شباب سكيكدة موسم الإصطياف الماضي ورفعوا التحدي في وجه البطالة والفقر ونقص الموارد لتسيير مشروع حديث ومربح، من خلال العمل في السياحة وبعث هذا القطاع، رغم بساطة الإمكانيات وقلة التفاعل من المسؤولين، كما يقولون، حيث فضلوا العمل المتعب على ركوب القوارب نحو أوروبا، وبدل أن يذهبوا إلى أوربا، فضلوا استقطاب سياحها لزيارة ورؤية بلد يتميز بالتنوع بين الساحل والتل والصحراء، وتحويل العملة الصعبة نحو خزينة الدولة لرفع المستوى المعيشي وانتعاش الدينار، حيث يؤكد أصحاب القوارب الذين يقومون بإيصال السياح إلى جزيرة “سيريجينا” ذهابا وجيئة، أنهم يحصّلون قوت يومهم، الذي يخبئونه لتسيير التزاماتهم اليومية على مدار السنة، كون العمل لا يكون سوى في موسم الاصطياف.
محبو الغوص الحرّ والقفز من الصخور يكسرون صمت المكان

وتفضِّل فئة أخرى من عشاق السياحة والاستكشاف، قصد الجزيرة للتمتع بالهدوء والسكينة التي لا يكسرها سوى صوت محركات الزوارق السياحية المُقِلّة للناس، وكذا محبي الغوص الحر والقفز من على الصخور، رغم خطورة الأمر، خصوصا من إحدى المنصات التي تنتهي بشكل هيكل حديدي في صورة باب، من معالم آلهة الإغريق، قديما، حيث يعتبرونها مقياسا للشجاعة والإقدام وإظهار المهارة في السباحة والغوص، وهو ما يدفع بطالبي الهدوء والراحة والنوم، إلى التوجه للطرف الآخر من “سيريجينا” أو تسلق بضعة درجات من السلك الحجري المؤدي للمنارة، والاختباء هنالك، أو حتى الاستلقاء على أحد المربعات الإسمنتية والصخرية المجاورة لجزيرة الملكة، على حدِّ تسمية الرومان.
أسماك ونباتات بحرية تتحف المكان و “تسر الناظرين”

وعلى ضفاف جزيرة “سيريجينا” تعيش أنواع مختلفة من الأسماك والنباتات والقشريات، بعدما وجدت بيئة خصبة أقرب إلى العذرية للعيش فيها وإيجاد كل ما تحتاجه، حيث تسبح أمامك أسماك صغيرة بألوان الطيف السبعة، وأخرى سوداء منبسطة الشكل، وغريبة لا تحبِّذ الاقتراب من الناس، سواء تلك باللون الأخضر العسكري أو الأخرى البرتقالية، كما توجد القشريات بكثرة، سواء ذات المخالب أو القنافذ البحرية، دون نسيان النباتات متعدِّدة الأشكال والألوان، أيضا، ما يعني أنَّ المكان ما يزال يحافظ على نظافته وعذريته الطبيعية.
ويكشف صفاء مياه البحر بالجهة، أنواعا أخرى من الأسماك ذات الأحجام الكبيرة، ما يثير هوس وطمع الصيادين في استخراج أحسنها نوعا وشكلا، فيما تبدو الآثار المترامية تحت المياه المائلة للخضرة بوضوح تامّ، ومنها الحديد الملتصق بالصخور والمتآكل صدء بعد أن قاوم الطبيعة وقساوة الماء والملح لقرون طويلة.
إحصاءات غائبة وأرقام مجهولة

هذا، وترفض مديرية السياحة منح أي إحصائيات وأرقام عن عدد السياح وكذا الاستثمار في المدينة السياحية بين الجزائريين والسعوديين، بجهة فلفلة، إلاّ من خلال توجيه طلب خطي لخلية الاتصال والإعلام التابعة للولاية، وهو التسهيل الذي يأخذ وقتا طويلا لتجسيده على أرض الواقع، هذا إن تمت الإجابة عليه.
وفي كل هذا تبقى هذه الجزيرة أحد أهم مقومات ترقية السياحة بالولاية، وذلك في حال ما إذا تم فتحها في وجه السياح سواء كانوا جزائريين أو أجانب من خلال تخصيص رحلات استكشافية يؤطرها مختصون، علما أنه يمكن أن تستوعب عددا هائلا من الزوار عن طريق بواخر صغيرة تربط بين المحطة البحرية المتواجدة بميناء سكيكدة وجزيرة سيريجينا، ومن تم فهي بحاجة ماسة إلى التفاتة من قبل القائمين على السياحة والثقافة لترقية السياحة الجماهيرية معا مع الإشارة إلى أنه يتواجد على طول الشريط الساحلي لولاية سكيكدة الممتد على طول 140 كلم، 10 جزر ما بين
كبيرة ومتوسطة وصغيرة.
