من ربوع بلادي: اختيرت لانطلاق الموسم السياحي الصحراوي “تمنراست”… جوهرة السياحة الجزائرية تستقبلك ملكا وتضيفك كرما حاتميا

elmaouid

– أمواج من الرمال تزينها جبال صخرية صامدة

تمنراست عاصمة الهقار، موطن أسطورة التوارق تينهنان وعالم السحر والانهيار، حيث تجد الطبيعة الخلابة في انتظارك لتدعوك إلى سفر لم يخطر يوما على بالك لأن كل ما فيه جذاب ومتميز، يأخذك

إلى عالم السكون والرهبة لتجد نفسك تشعر بأنك تطير ورجلاك على الأرض تغوصان في رمال تمنراست الذهبية، وروحك معلقة في صخورها

وذلك الصمت الصارخ الذي يلف المكان، ففي تمنراست تأخذك الطبيعة لتعرف معنى الوجود والاستمرارية وأن تحس بذاتك وتندهش بإعجاز الخالق.

 

مدينة تمنراست كان اسمها القديم “تمنراكس”، هي عاصمة الهقار بالجنوب الجزائري، تقع على مسافة 1981 كلم جنوب الجزائر العاصمة على ارتفاع 1380 مترا فوق سطح البحر، يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة، كما أنها مدينة جديدة تأسست عام 1908، وهي مقر ولاية تمنراست منذ التقسيم الإداري لسنة 1974.

وتتميز المنطقة بجوها المعتدل شتاء وصيفا مع العلم أنها تشهد كمية معتبرة من سقوط الأمطار في فصل الصيف، تتسبب في سيول الوديان وتصل درجتها إلى حد الخطورة في بعض الأحيان.

 

تمنراست.. بحر رملي تزينه أمواج صخرية ثابتة

وأنت في تمنراست تجد نفسك في وسط بحر عميق بلون رملي، تزينه أمواج صخرية ثابتة منها من يبلغ طوله أمتارا عديدة وأخرى كثيرة شاهقة تزيد عن آلاف الأمتار وتحلق فوقها طيور من شتى الأصناف، وتزينها نقوش ورسومات تؤكد عراقة المنطقة.

 

حضارة خالدة لتاريخ الصحراء

يعود تاريخ تمنراست إلى أكثر من 600 ألف سنة، حيث ظهر الإنسان البدائي وشيد في المنطقة حضارة راقية ازدهرت قبل حضارة الفراعنة بمصر بـ 5000 سنة، وهو ما تشهد عليه الرسومات والنقوش الحجرية التي تحفظ تاريخ المنطقة والتي نم اكتشافها بالطاسيلي الهقار وتيديكلت وتعتبر اليوم أغنى متحف في الهواء الطلق لفترة ما قبل التاريخ، ولهذا تم تصنيف الحظيرة الوطنية للهقار ضمن التراث العالمي المحفوظ من طرف منظمة “اليونيسكو”، ونشأت مدينة تمنراست في مطلع القرن التاسع عشر بحلول قوات الإستعمار بعد معركة “تيت” وقد ظهرت أولى معالم الانتقال من البداوة إلى الاستقرار في حدود سنة 1855.

 

تينهينان.. أسطورة المنطقة والمعلم الأبرز بها

لا يمكن أبدا الذهاب إلى تمنراست دون زيارة الملكة تينهينان في قصرها بالأبالسة الذي يبعد عن مقر الولاية بـ 80 كلم، رغم أن جثمانها الافتراضي في متحف باردو بالعاصمة.

وتعتبر أسطورة تينهنان الأكثر شهرة في المنطقة، وتقول هذه الأسطورة إن تينهينان جاءت من التافلالت إلى الهقار مصحوبة بخادمتها تاكمات ومجموعة من العبيد ووصلوا إلى الأهقار، وهناك تزوجت تينهينان وتاكامات واستقرتا في الأبالسة ويقال إن تينهينان أنجبت بنتا وانحدر منها “الكل غلا” أي “النبلاء”، أما تاكامات فأنجبت بنتين انحدر عن الأولى “الدق غالي” وعن الثانية “آيت لوين”.

ووجد الهيكل العظمي المنسوب إلى تينهينان سنة 1925 تحت إشراف العالم ريقاس وتم حفر ضريح الملكة بالأبالسة على ارتفاع 914 مترا وعلى بعد 80 كلم عن تمنراست، وكان الهيكل نائما على الظهر متجها نحو الشرق وبرفقته مجموعة من الحلي وأشياء أخرى، وفي سنة 1926 نقل الأثاث الجنائزي إلى نيويورك وفي سنة 1934 إلى باريس إلى أن استقر بمتحف باردو بالعاصمة.

وقال مسؤولو الثقافة بتمنراست إن ترميم موقع تينهينان غير وارد في هذه الآونة، مثله مثل استرجاع ضريح الملكة غير الوارد هو أيضا بحكم عدم توفر الجانب التقني للحفظ والحماية.

 

أسيهار.. موعد سكان المنطقة وزوارها

سوق أسيهار الشعبي، لا يمكن لأي زائر لتمنراست أن يخلف موعدا معه، وتعني كلمة أسيهار بلغة التوارڤ “الموعد”، وسمي كذلك باعتباره موعدا حقيقيا لسكان المنطقة و زوارها، وفيه تعرض جميع المنتجات وكل ما يمكن تخيله من منتوجات الحرف التقليدية الخاصة بالمنطقة، كما يعتبر السوق مكانا جيدا لزبائن الخلطات الشعبية والعقاقير، إضافة إلى عرض المنتوجات المقلدة والمغشوشة كمواد التجميل، العطور، ساعات، نظارات والهواتف النقالة وغيرها من السلع، إضافة إلى الفواكه الاستوائية التي يتم جلبها من الدول المجاورة كالنيجر ومالي، ويعاني السوق هذه الفترة من حالة ركود شديدة بعد تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود، مما قلل بشكل كبير من دخول بعض السلع التي اشتهرت بها المنطقة.

 

أسكريم… عندما تبدع الشمس في غروبها

أجمل شروق وغروب في العالم كله

يقف جبل أسكرام الشهير شامخا على بعد 80 كلم من وسط مدينة تمنراست، والذي يعتبر مقصد السياح وملهم الفنانين، ويتم الوصول إليه عبر طريق شاق وغير معبد، وتستغرق الرحلة حوالي أربع ساعات للوصول إلى قمته التي ترتفع بحوالي 2800 م عن سطح البحر وتصل درجة الحرارة حتى 12 درجة تحت الصفر، وإذ لا يمكن أبدا تفويت متعة الاستمتاع بأجمل شروق وغروب في العالم كله، وتقول أساطير التوارڤ إن كل من يتسلق قمة الأسكرام سيحظى بفرصة ليعيش أكثر، في أعالي قمة أسكرام يتربع دير أسكرام الشهير الذي يشغله ثلاثة رهبان جاءوا من دول مختلفة ليحظوا بخلوة طالما بحثوا عنها، يقول الأب إدوارد فوكو القادم من فرنسا، وهو أقدم راهب في المكان، إذ التحق بالدير سنة 1972 ولم يفارقه إلى يومنا هذا: “هنا لا شيء يلهيني عن عبادة الرب، أشعر أني قريب من الله في هذا المكان، حيث تتجلى عظمة الخالق في الطبيعة التي تحيط بنا في مظاهر غضبها وجبروتها أحيانا ورأفتها أحيانا أخرى”، ويضيف الأب فوكو الذي قارب سنه القرن أنه لن يغادر الأسكرام أبدا، وأنه أوصى بأن يدفن في تمنراست، وأنه لن ينسى طيبة وتسامح التوارڤ الذين اعتبروه واحدا منهم. وعن زيارات السياح إلى المكان، قال الأب إدوارد إنه شهد الكثير من التغيرات على مر السنوات، حيث كان المكان يغص بالسياح في فترة السبعينات والثمانينات لتنقطع الزيارات بشكل كلي في التسعينات، لتعود بعدها الزيارات بشكل يومي ودائم بداية من سنة 2000 أما خلال السنتين الماضيتين فشهدت حركة السياح تراجعا ملحوظا.

 

تيديكلت والأهقار

يقال إنه تم تعمير تيديكلت ابتداء من القرن 16، حيث أصابت مجاعة أهل عزي المرابطين ببودة بأدرار فذهبوا يبحثون عن مكان آخر يأويهم واستقر مقام بعضهم بنواحي عين صالح ويرجع أصل أهل عزي إلى سيدي محمد بلحنافي من ذرية علي بن أبي طالب، بالمقابل يعتبر الأهقار إقليما شاسعا يغطي مساحة تقدر بـ 375.000 كلم مربع، وهو عبارة عن سلسلة جبلية يحدها من الشمال سهل تيديكلت والهضاب الصحراوية والتينيري في الجنوب والتنزفت في الغرب وتستقر في وسطه جبال الأتاكور. وقد أثبتت الدراسات العلمية وجود مخلفات بقايا إنسان عاش ما قبل التاريخ أما عن أصل الطوارق سكان المنطقة، فيقال حسب بعض الروايات الشفهية المتداولة بين سكان الأهقار أنه حين وصل أسلافهم من الطوارق إلى الأهقار واستقروا بالمنطقة وجدوا الأرض عامرة بقوم يعرفون بالأسباتن يسكنون الجبال ولا يعرفون تربية الجمال، ويقال أيضا أنه كان من بين هذا الشعب أصحاب حرفة متميزين مثل أمامن وابن أخته الياس مؤسسي فن النحت والرسم الصخري، وتوجد العديد من الروايات حول أصل قبائل الأهقار، ولكن تبقى الشخصية التاريخية تنهينان السلف الأمومي لكل القبائل النبيلة والملكة الأولى لمملكة الطوارق.

 

أسطورة الرجال الملثمين.. أطلقها ابن بطوطة وكذبها المؤرخون

تعد أسطورة الرجال الملثمين من أشهر الأساطير التي حيكت حول التوارق، والتي تقول إن التوارق أجبروا على اتباع هذا العرف أبا عن جد بدل النساء، وذلك بعد انهزامهم في إحدى المعارك، وتولي النساء الدفاع عن الديار بدلا منهم. غير أن القليلين من يعرفون أن هذه الأسطورة لا أساس لها من الصحة وأن الرحالة ابن بطوطة هو أول من أطلقها ودوّنها في مؤلفه “تحفة الناظر” ثم أخذها عنه ابن خلدون ودونها في مقدمته الشهيرة لتذيع القصة لدى العوام، ويرجع المؤرخون سبب تأليف ابن بطوطة لهذه القصة إلى تفسيرين، أولهما أن ابن بطوطة الذي حل ضيفا على التوارڤ في سنة 1341 اشتكى من عدم استقباله بشكل جيد ومن شح المعلومات التي أطلعه عليها التوارڤ حول عاداتهم وطريقة عيشهم، فانتقم منهم بأن وصف رجالهم بالجبن. أما التفسير الثاني فيعود أيضا إلى شح المعلومات التي قدمها التوارڤ إلى الرحالة الذي اضطر إلى أن يفسر ظاهرة الرجل الملثم وفق معايير المجتمع الأبوي الذي ينتمي إليه، يقول الدكتور بادي ديدة أستاذ الثقافة الأمازيغية بجامعة بجاية: “تزخر حضارة التوارڤ بالكثير من الأساطير سواء تلك النابعة من معتقدات التوارڤ الخاصة أو تلك التي حيكت حولهم والتي تكون في الغالب عبارة عن تفسير الآخر لظواهر وعادات وفق منطقه الخاص والجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها وهو الحال مع أسطورة الرجل الملثم. أصل الحكاية أن التوارڤ يفتخرون إلى غاية اليوم بانتمائهم إلى الملكة تين هنان “أم الأشراف” و”ناصبة الخيام”، حيث مازالوا إلى اليوم يتغنون بخصالها وأمجادها ويعتبر المجتمع الترڤي من بين المجتمعات القليلة التي مازالت تخضع إلى سلطة الأمومة، حيث تستحوذ المرأة على مكانة جد راقية وتعتبر الآمر الناهي في أهم القضايا وتورث البنت بدل الذكر، ويضرب لنا الدكتور بادي ديدة مثالا على أهمية المرأة في المجتمع الترڤي بتاريخ القبائل في المنطقة والتي يعود تأسيس كل منها إلى إحدى الجدات، كما يسرد لنا أصل تسمية تمنراست والأصل في الكلمة تمنغاس، وهو لقب أحد أمراء التوارڤ، والذي أبى إلا أن يؤنث اسمه في تسمية المكان، فالتوارڤ يرجعون المجد والعز إلى الأمومة.

 

 

المرأة الترقية…مكانة خاصة لم تمنح لغيرها

تتمتع المرأة بمكانة هائلة في مجتمع الطوارق فقد كان الطفل ينسب إلى أمه وليس إلى أبيه مهما كانت مكانة هذا الأخير، كما أن الطفل يرث المال والجاه من أمه وتمنح الأعراف والتقاليد للعروس الحق في أن تحتفظ بكل ما تملكه وعلى الزوج أن يصرف عليها، ويتمثل دور المرأة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للقبيلة وتعلم الأطفال أبجديات التيفيناغ.

أما عن أعراس تمنراست فلها مميزات من بينها مكوث الزوج مدة أسبوع كامل في بيت أهل زوجته بعدها يعود إلى بيته وينتظر قدوم زوجته، ويؤدي أصحاب العريس أغاني وترتيلات دينية، كما تستعمل آلات تقليدية في العرس.

 

الطاسيلي ضمن التراث العالمي منذ سنة 1982

صنفت منظمة “اليونيسكو” منطقة الطاسيلي بتمنراست سنة 1982 ضمن التراث العالمي، كما أوصت بحفظها كخزان للبحوث العلمية حول الحضارة الراقية التي ولدت هناك، وتبلغ مساحة الطاسيلي حوالي 10 آلاف هكتار، وتضم آلاف النقوش الصخرية التي تعكس جانبا عن صراع الإنسان من أجل كسب قوت يومه، من خلال صور مطاردة الغزال وحيوانات أخرى.

توجد في الموقع قصور مبنية بالصلصال والخزف على طول واد جاف تشهد جميعها على قيام حضارة التوارڤ العريقة، لكنها تعيش اليوم وضعا حرجا في ظل التحديات الأمنية بعد أن كانت يوما ملتقى للسياح ومقصدا هاما لهم.

 

السياحة…. محرك المنطقة

يزيد عدد السياح في تمنراست في احتفالات عيد السنة الجديدة ولكن السياحة لا تعني توفر مناظر طبيعية رائعة وحسب، بل يعني كذلك تخصيص الإمكانيات اللازمة مثل الفنادق والمطاعم المقبولة إن لم نقل الراقية، وهو ما يؤكده العاملون في قطاع السياحة، الذين قالوا إن السياحة في الجنوب عرفت ازدهارا بعد استقلال الجزائر، حيث وصل عدد السياح إلى مائة ألف سائح في العام، واستمر الوضع كذلك حتى خلال العشرية السوداء حيث أصبح هناك سياح معتادون لزيارة تمنراست غير آبهين بالتهديدات المزعومة حول الأمن في الجزائر لأنهم يعلمون أن المنطقة آمنة، ولكن الأمر تراجع نوعا ما بسبب الحرب في مالي وأحداث تيقنتورين.

 

تمنراست.. آفاق وعراقيل

 

تعد تمنراست التي يصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة، مدينة حدودية وتبلغ مساحة حدودها 1200كلم مربع، وعرفت منذ أمد بعيد أنها ملجأ سكان الدول المجاورة من المالي والنيجر، كما أنها وبفعل ظروف تاريخية شهدت نزوحا من طرف سكان المدن المجاورة أيضا، فأصبحت هذه المدينة تضم خليطا من الأعراق والجنسيات وارتحل عدد كبير من الطوارق الذين ألفوا العيش في عزلة إلى الصحاري في الخيم والقليل منهم من بقي في المدينة.

وبسبب بعد تمنراست عن العاصمة، فإن الكثير من العاملين والإطارات المؤهلين يرفضون العمل بها خاصة أمام ارتفاع ثمن تذكرة السفر عبر الطائرة التي تصل إلى 16 ألف دينار ذهابا فقط من الجزائر إلى تمنراست، هذا البعد عن العاصمة سبب أيضا صعوبة في نقل سكان عاصمة الأهقار فحتى تنقل رياضيي المنطقة يستلزم إمكانيات مادية معتبرة.

ويشتكي شباب المنطقة من قلة المرافق التي يمكن له أن يجد فيها نفسه ويقضي فيها أوقات فراغه وهو ما ينفيه بعض مسؤولي المنطقة الذين يؤكدون وجود مرافق عديدة موجهة لشباب المنطقة، كما تعاني تمنراست من مشكلة قلة أو انعدام الغاز الطبيعي والماء الصالح للشرب ولكن في هذا السياق، انطلق السنة الفارطة تجسيد مشروع جلب المياه من عين صالح إلى تمنراست أما عن توفير الغاز الطبيعي فهو أيضا في طريق التجسيد.