التوجه صوب هذا الحمام الطبيعي ليس بالأمر الصعب، فبمجرد المرور عبر الطريق السريع المؤدي إلى ولاية البويرة باتجاه الهاشمية.. البلدية المترامية الأطراف التي تملك مقومات فلاحية كبيرة.. والتي تحوي هذا الحمام الذي زادها شهرة وأكسبها الكثير من الزوار الباحثين عن العلاج الطبيعي بالمياه المعدنية والراغبين في اغتنام بركة المكان، وفي طريق الوصول يستمتع القادم والزائر باكتشاف بعض المناظر الطبيعية العذراء قبل الوصول إلى الحمام الطبيعي الذي يتواجد بين مرتفعات جبلية.
هو حمام “الفراكسة” المعدني الطبيعي، الواقع ببلدية الهاشمية بولاية البويرة، المعروف بكونه القبلة المفضلة للباحثين عن التداوي الطبيعي بالمياه المعدنية ذات نسبة الملوحة المعتدلة، وكذا للراغبين في الاستمتاع المريح وسط مناظر الطبيعة الخلابة، بعيدا عن فوضى المدينة وضوضائها.
منعرجات خطيرة تحفها بانوراما الطبيعة
السير عبر الطريق المؤدي إلى حمام “الفراكسة” محفوف بالكثير من المنعرجات الخطيرة باعتبار أن المنطقة جبلية والسير عبر مسالكها يتطلب الكثير من الحذر، خاصة مع وجود العديد من المحاجر التي يرتبط نشاطها آليا بتواجد مركبات من الوزن الثقيل، والتي كثيرا ما تعيق سير السيارات النفعية ذات النوع الخفيف والسياحية، ومع ذلك فإن متعة المناظر وبانوراما الطبيعة هناك تخفف من حدة التوتر الناجم عن صعوبة السير الذي تجعله يحمل الكثير من المتعة وسط مناظر طبيعية أهمها غابات أشجار الصنوبر، التي صارت معظم العائلات تُفضل تناول وجبة غذائية وسط ديكور طبيعي تحفه السكينة والهدوء.
النشاطات الحرفية.. مصدر رزق السكان
تُفضل بعض عائلات المنطقة التموقع في تخوم الحمام وممارسة بعض النشاطات الحرفية التي زادت المنطقة جمالا، كما تُساهم في جلب الزوار وما يزيد من انتعاش نشاطاتها تواجد العائلات القادمة لزيارة الحمام الطبيعي المعدني المُزين بعشرات العارضين لبعض المنتوجات التقليدية وكذا لوازم الحمام.
حظائر فوضوية لم تمنع الزوار من الحضور
الحظائر الفوضوية هي أول ما يجده الزائر بمجرد اقترابه من بوابة الحمام الطبيعي، هذه الحظائر الفوضوية التي بات أصحابها يفرضون تسعيرة 50 دينارا للسيارة الواحدة، مقابل ركنها على مستوى مساحة ترابية مملوءة بالنفايات والقمامة التي تخلفها العائلات القادمة إلى الحمام الطبيعي، ورغم شساعة المساحة إلا أنها غالبا ما تمتلئ عن آخرها، مما يجعل الحظ لا يُحالف الجميع في التمكن من ركن سيارته داخل المساحة الترابية التي تمتلئ وتتحول حواف الطريق العام الضيق جدا إلى مساحات لركن السيارات، أمام توافد العائلات المكثف على الحمام الطبيعي للاستحمام.
طوابير طويلة ومستخدمون من الجنسين
يجد الزائر للحمام الطبيعي نفسه مجبرا على الوقوف في طوابير طويلة أمام المدخل الرئيسي للحمام، واعتمدت إدارة الحمام الطبيعي “الفراكسة” نظاما يفصل بين الرجال والنساء في الحمام، حيث تم تخصيص مدخل سفلي للنساء، والمدخل العلوي للرجال، ولكل صنف مستخدمين من نفس الجنس يسهرون على توفير الخدمات للزبائن.
عادة ما تمتلئ القاعة الفسيحة المخصصة لانتظار الدور ودخول غرف الحمام الطبيعي عن آخرها، طيلة أيام الأسبوع، وهو ما يُكلف الانتظار لأزيد من ساعتين كاملتين، خاصة وأن أغلبية الزبائن كانوا يطيلون المكوث داخل الغرف علما أن مدة استغلال الغرفة محددة بساعة كاملة مقابل 300 دينار للشخصين في الغرفة الواحدة، وهو موجود ومثبت في التذكرة.
عند دخولك الغرفة المخصصة للاستحمام، التي يتواجد بها حوض مائي وصنبورين تتدفق منهما مياه معدنية طبيعية، الأول شديد الحرارة والثاني متوسط الحرارة، غير أن الغرف كانت مكشوفة من الناحية العلوية، بحيث يتمكن الزبون من استنشاق الهواء بكل أريحية. كما تم تزويد الغرف بنوافذ تسهل عملية دخول الهواء، حتى لا تحدث حالات اختناق.
ويؤكد القائمون على مشروع الحمام الطبيعي، والمتخصصون في “الجيولوجيا”، أن حمام “الفراكسة” يتوفر على خصائص علاجية لمختلف الأمراض خاصة مرض “الروماتيزم”. وكشفت التحاليل التي تم إجراؤها على مستوى مخابر ألمانية متخصصة، عن وجود ميزة علاجية تتواجد في بخار مياه الحمام تعالج مرضى الجهاز التنفسي، وهذا بشهادة العديد من المرضى الذين يتوافدون إلى الحمام المعدني الطبيعي، حيث سيتزود الحمام الطبيعي بمسبحين للعلاج بالبخار مطلع سنة 2017، في حين تجري التجارب لفتح مسابح للمعالجة عن طريق بعض الزيوت الطبيعية التي تساعد على الارتخاء، وكذا القضاء على آلام المفاصل. إضافة لبعض الميزات التجميلية التي يشتهر بها الحمام، وبالنظر إلى نسبة الملوحة المنخفضة في المياه الطبيعية للحمام، فهي لا تضّر الشعر ولا البشرة.
مياه علاجية تنتظر أحسن استغلال
يتهافت العديد من المستثمرين على استغلال مياه المنبع الطبيعي، عن طريق انتزاع جزء منها من حمام “فراكسة” وتوجيهها عن طريق أنابيب إلى منطقة أخرى، وهذا ما يعني إيقاف جزء كبير من الحمام المعدني عن العمل، ويؤكد القائمون على الحمام أن بنود استغلال مياه العين الطبيعية من قبل الشركاء الثلاثة في المشروع، تؤكد على استغلال 90 بالمائة من مياه المنبع الطبيعي، وفي حال منح جزء من مياه المنبع الطبيعي لمستثمر آخر ستفقد العين الطبيعية خصائصها العلاجية، بالنظر إلى نسبة الملوحة الضعيفة في الماء، وبالنسبة للغازات الخفيفة التي تتوفر عليها مياه الحمام الطبيعي.
وتمتلك مياه العين الطبيعية التي تزود الحمام خصوصيات لا نظير لها بالنظر إلى نسبة الغازات القليلة التي تتوفر عليها المياه، ونقلها عبر أنابيب وقنوات تفقدها طبيعتها العلاجية، علما أن العين كانت تصب في وقت مضى في الجهة الأخرى من الجبل، وبسبب عدم وجود شبكة طرق في الجهة الأخرى وتواجد وادي سحيق بالمنطقة، قامت السلطات الفرنسية إبان الحقبة الاستعمارية بنقل مياه العين الطبيعية عن طريق قنوات خاصة حتى لا تفقد قيمتها العلاجية. وفي حال نقلها عبر أنابيب إلى منطقة أخرى، ستفقد المياه قيمتها العلاجية التي تميزها عن باقي الحمامات الطبيعية الأخرى.
جناح الإيواء.. مشروع يوفر الراحة للزوار
يقول القائمون على الحمام إن أزيد من 60 بالمائة من العائلات الزائرة للحمام الطبيعي “الفراكسة” تقطن خارج ولاية البويرة، فيما تمثل النسبة المتبقية سكان المنطقة، كما يبلغ عدد الزوار في اليوم الواحد 1200 زائر، وهو الأمر الذي دفع بإدارة الحمام إلى الإسراع في استكمال المشروع الخاص بتوسعة الحمام، وبناء جناح للإيواء سيتم تدشينه خلال الأيام المقبلة، وتستوجب عملية افتتاحه تعيين حدود المنشأة من أجل إحاطة الحمام بسياج يضمن الأمن للمقيمين به خاصة على مستوى جناح الإيواء الذي سيضم 30 غرفة، وشقتين صغيرتين، في إطار توفير أحسن الظروف للعائلات الراغبة في الإقامة بالحمام الطبيعي ومتابعة العلاج، عوض التنقل في كل مرة إلى المنطقة والذهاب إلى الفنادق، مشيرا إلى أن بعض الوكالات السياحية الأجنبية أرادت كراء أزيد من 20 غرفة على مدار السنة، لجلب السواح إلى المنطقة والتّداوي بمياه الحمام الطبيعية، غير أن الإدارة رفضت المقترح، لأن العقد سيحرم العائلات الجزائرية من التداوي بمياه الحمام المعدني.
مشروع لخلق مناصب شغل ولإحياء المنطقة
وأكد القائمون على الحمام أن فكرة المشروع جاءت لرد الاعتبار لولاية البويرة عموما ولبلدية الهاشمية خصوصا، إضافة إلى خلق مناصب شغل معتبرة، مستبعدين أن يكون دافع إقامة المشروع جني مداخيل مالية، لاسيما أن أغلبية العائلات الجزائرية تفضل التوجه للحمامات الطبيعية، لكن للأسف المشروع عرف ولا يزال يعرف الكثير من العراقيل خاصة في مجال الحصول على الأوعية العقارية لتجسيد الوحدات الأخرى التابعة له، لاسيما أن الجهات الوصية منحت ثلث القطعة الأرضية المتفق عليها في تجسيد المشروع.
ل. ب


