فيلم مرزاق علواش “ريح رباني” الذي شهد عرضه الثاني في مهرجان الجونة بعد أيام قليلة على مشاركته في مهرجان تورونتو، يواصل المخرج الجزائري من خلاله معركته ضد التطرف الديني والفكري، والتي بدأها في
أفلام مثل “باب الواد سيتي” و”العالم الآخر” و”التائب” و”سطوح” و”تحقيق في الجنة”.
وواضح أن المخرج السبعيني لم تنل منه وطأة السنين، بل على العكس، تراه غزيراً في إنتاجه، مستعجلاً لتنفيذ الفيلم التالي، متحمساً له كما لو كان مشروعه الأول، فهو صاحب قضية يجاهر بها علناً في أفلامه، إيماناً منه بدور السينما في التأثير على العقول. لهذا، يحلو له اللعب في المناطق الشائكة، حيث لا يجرؤ كثيرون، فتراه مهموماً بأحوال الجزائر وما وصلنا إليه في العالم العربي من تشدد وتكفير. فلا تجده يساير أو يراوغ، بل يقول قناعاته كما هي، حتى وإن أتت النتيجة أحياناً على حساب السينما.
ولا يشذ “ريح رباني” عن هذا الخط، إذ يقدم بالأسود والأبيض قصة “أمين” و “نور” اللذين لا نكاد نعرف عنهما شيئاً طوال دقائق الفيلم الـ96 سوى أنهما مكلفان بتنفيذ عملية مسلحة ضد معمل تكرير في صحراء شمال إفريقيا. ولكن، حين تتغير طبيعة العملية وتأتي الأوامر من القيادة العليا بتحويلها من عملية مسلحة إلى عملية انتحارية يتراجع “أمين” أمام إصرار “نور” على تنفيذ الأوامر كما هي، من دون أن تطرح أي أسئلة على نفسها، لتنتهي القصة بأن يفجّر “أمين” نفسه بحزام ناسف وهو في أحضان “نور”، وينقذ بالتالي معمل التكرير من تفجير كاد يودي بحياة عشرات المدنيين من العمال الأجانب الذين يعملون في المكان.
نهاية، وعلى رغم ما فيها من نيات حسنة، تبدو ساذجة بعض الشيء، بخاصة مع تشديد “أمين” في الدقائق الأخيرة على فكرة أنه لا يريد أن يموت بل يريد أن يقاتل. من هنا، السؤال أين المبرر الدرامي في دوس “أمين” على الجهاز وتفجير نفسه مع “نور” إن كان لا يكف عن ترديد أنه رافض استبدال العملية القتالية بعملية انتحارية؟
أياً يكن الأمر، فإن علواش يبدو أنه أراد من هذه النهاية أن يقدم موقفاً واضحاً يتمثل في أن موت الفكر الإرهابي لن يكون إلا من داخله بعد أن يأكل أفراده بعضهم بعضاً. وهنا نعود إلى المربع الأول، إلى سينما القضية التي لا يهم كيف تقول الأشياء بمقدار ما يهم ماذا تريد أن تقول في معركتها السياسية. وهنا ملعب مرزاق علواش الأحب إلى قلبه… في الأقل في السنوات القليلة الماضية مع تصاعد دور الحركات المتطرفة واجتذابها شباناً يذهبون ضحية مشروع أكبر منهم، نادراً ما نعرف لهم اسماً أو وجهاً. وهذا تحديداً ما أراد أن يظهره علواش في “ريح رباني”، بحرصه على صفة الغموض التي لاحقت شخصياته.