– أنها حضارة ربانية مصدرها الوحي الذي يغرس في دنيا النفوس والقلوب والعقول حقيقة الإيمان بالله وتوحيده وإقداره حق قدره… فهي حضارة توحيد مطلق يضفي على كل النظم والتيارات طابعه التوحيدي الإيماني… فهناك وحدة في المشاعر، ووحدة في العبودية، والربوبية، ووحدة في التشريع، ووحدة في النظرة للإنسان والكون.
– وكما أنها حضارة توحيد وربانية… ووحي… هي كذلك حضارة إنسانية جاءت لتخاطب كل الناس، وتكرم بني آدم جميعاً، وهي كذلك ذات نزعة إنسانية في أهدافها، وقد ضمت بين جناحيها أجناسا مختلفة؛ أسهم أبناؤها في صناعة ألوان التقدم العلمية والفنية والأدبية، وافتخرت الحضارة الإسلامية بهم جميعًا، وأعطتهم فرصاً متساوية.
– وهي حضارة أخلاق مطلقة، تعامل الناس جميعاً على أساسها دون ازدواجية في المعايير، ودون عبث بالقيم فالعدل والصدق والوفاء والعفة… كلها قيم أخلاقية، مطلقة، وقد وصف الرسول – عليه الصلاة والسلام – نفسه بأنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
– وهي حضارة عقل وعلم… وتآزر متناغم بين العقل والوحي، والعلم والدين، وكلها يعضد الآخر، ولا يناقضه في حقيقة الأمر، وإنما يأتي التصادم من عدم صحة الوحي عندما تتدخل فيه الأهواء، أو عندما لا يصح سنده، أو من عدم موضوعية العقل… وفي القرآن مئات الآيات التي تربط بين العلم والإيمان… وتحث على التعبد بالتفكير وإعمال العقل.
– وهي حضارة تقوم على التسامح الذي لم يعرفه دين ولم تعرفه حضارة من الحضارات كما عرفته وأرست دعائمه الحضارة الإسلامية… لقد جعلت الوثنيين في الهند ممن لهم شبهة كتاب وتعايشت معهم، وفعلت من باب أولى مع أهل الكتاب ما هو أكثر من ذلك بكثير.
– وهي حضارة حق وعدل ورحمة ومساواة وتكامل معنوي ومادي بين كل الناس: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 107، وبين جماعة المسلمين أيضاً.. فالكل سواء… سواء عند الله في آدميتهم وإنسانيتهم، وسواء أمام الخضوع لشريعة الله، فالكل لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى… ولا تمايز بينهم إلا بالحق… فالقضاء عدل للجميع، وحساب الله عدل مع الجميع كذلك… والناس – على اختلاف طبقاتهم – متساوون في الصلاة؛ حيث يقف الناس جميعا بين يدي الله دون تخصيص مكان لعظيم أو أمير… وفي الحج يلبس الناس لباسا واحدا، ويقفون موقفا واحدا، ويؤدون منسكا واحدا.