تشكل جزر “حبيباس” أو “حبيبة” كما يحلو للوهرانيين تسميتها، موقعا بيئيا نادرا في الحوض المتوسط برأي هيئات عالمية وأوروبية زارت المكان، حيث يعود تاريخ هذا الكنز الإيكولوجي إلى آلاف السنين، وتحتوي هذه الجزر الخمس الواقعة شمال غرب وهران على كم هائل من النباتات والأسماك والحيوانات والطيور النادرة، تعلوها منارة تم بناؤها حسب الباحثين سنة 1873. وتمثل جزر “حبيباس”، الواقعة على ضفاف مدينة وهران الجزائرية (430 كلم غرب العاصمة)، كنزا إيكولوجيا هائلا.
اخضرار مترامٍ وغطاء نباتي استثنائي
تقع جزر حبيباس على بعد ثلاثة أميال في عرض البحر، وتمتد بجمالها واخضرارها المترامي على مساحة إجمالية بحدود 26.84 كلم2، تعلوها منارة يربو طولها عن المائة وعشرة أمتار، جرى بناؤها بحسب الباحثين العام 1873، وتتألق هذه الجزر التي تتوسط محافظتي وهران وعين تيموشنت، بغطائها النباتي الاستثنائي الذي يستوعب عشرات الجبارات العملاقة، وهي أشجار كبرى تضاهي تلك الموجودة بآسيا وأمريكا.
وثروة حيوانية نادرة
إلى جانب “القرنفل” و”الأقحوان”، تتوفر جزر حبيباس على أنواع أخرى من نباتات الفارفان، البطم الأطلسي، الحور، الطرفاء العشبي، السنديان الأخضر، الزان، والصنوبر الحلبي، فضلا عن أسماك المرجان، الجمبري، السوندر، الشبوط الملكي بأنواعه الثلاثة، وكذا سمك البوري والمارو وغيرها، ناهيك عن الأصداف الحرية العملاقة (الباليت).
كما تشير بيانات المديرية الجهوية للبيئة إلى احتواء جزر “حبيباس” على أعداد من البط البري، اليمام، الحجل، دجاج الماء وبعض الحيوانات الغطاسة، مثلما يعيش داخلها عشرات الأصناف الحيوانية، أبرزها: الخنافيس، قردة الماغو، النسر الملكي، القط المتوّحش، النمس، العناق، الشيهم، الجرذ السنجابي، البرخ والقطط المتوّحشة، فضلا عن طيور الباز البربرية، الحسون “الكناري” الصغير المزركش، الشامين، النسر الذهبي، النحام الوردي، الشهرمان، النكات والكركري الرمادي.
دعوة لالتفاتة السلطات
إلا أن هذه الجوهرة المنسية بحسب عدد من السواح، عرفت خلال السنوات الأخيرة، إهمالا مفرطا من قبل السلطات الوصية، ما تسبب في انقراض عدد كبير من الحيوانات وتلف مساحات معتبرة من النباتات المتنوعة، وهو ما دفع بالصندوق الفرنسي للبيئة العالمية إلى التدخل ومنح مبلغ مليون أورو لإعادة تأهيلها، كما أن مديرية البيئة بالولاية انطلقت في تهيئتها عن طريق إنجاز منشآت قاعدية هنالك تتمثل في مرافق استقبال للسواح على غرار المراقد وغرف الإيواء الفندقي ومحلات الخدمات وأبراج للمراقبة، بالإضافة إلى مشروع مرفأ صغير ترسو به السفن الخاصة بالنزهة والاستجمام لجلب أكبر عدد من السواح الذين يتشوقون لرؤية هذه المحمية الطبيعية الخلابة.
ولكن انعدام الإمكانيات حال دون وصولهم إليها، وهو ما يؤكده الذين سبقوا و زاروا الولاية، حيث نال الموقع إعجابهم ووصفوه بالجوهرة رغم صعوبة الوصول إليه كما ذكروا، كما يسجل نقص كبير في المرشدين السياحيين، حيث يعتبر دورهم جد مهم في التعريف بثروات المنطقة من جهة، وكذا تنبيههم بالمناطق الخطيرة التي لا يمكن الاقتراب منها من جهة أخرى.
وعود بإعادة التهيئة
سيتم إعادة تأهيل جزر حبيباس الواقعة شمال غرب ولاية وهران لتكون وجهة حقيقية للمصطافين، حسب ما أكدته مصادر من مديرية السياحة التي أوضحت أن ورشة هامة ستنظم بالتنسيق مع جميع الفاعلين على غرار البيئة والسياحة والموارد المائية وغيرها من المصالح تحت إشراف خبراء جزائريين وهذا بعد إبرام اتفاقية مع إيطاليا لإعادة تهيئة هذا الموقع على حسب جزيرة هناك المسماة “تيفولارا” التي تحتكم على نفس مميزات جزيرة حبيباس من حيث الثروات الطبيعية والحيوانية وغيرها من المؤهلات.
وحسب ذات المتحدث، فإن حبيباس من أهم المواقع السياحية التي تلقى اقبالا كبيرا من قبل السواح القادمين من مختلف ولايات الوطن وحتى خارجه، وتحتوي على ثروات حيوانية ونباتية نادرة بالحوض المتوسط بشهادة العديد من خبراء دول العالم الذين ترددوا على زيارة هذا الموقع السياحي الذي تعلوه منارة تم بناءها منذ سنة 1873،
ومن المنتظر أن تتم إعادة تهيئة هذه المحمية الطبيعية “جزيرة حبيباس” دون المساس بخصوصية الموقع مع توفير منشآت للراحة والإستجمام للقادمين إليها الذين غالبا يعانون من صعوبة الوصول إليها.
وفي نفس السياق، أشار ذات المصدر إلى أن الورشة ستكون بابا مفتوحا لجميع المقترحات من مختلف المصالح والهيئات، لاسيما تلك التي ستقدمها مديرية البيئة التي أعلنت في العديد من المناسبات أنها ستتكفل بإعادة تهيئة هذا الموقع السياحي ليكون مندرجا في الخريطة السياحية لزائري الباهية وهران، مع توفير مرفأ خاص ومرشدين سياحيين قادرين على التعريف بالمنطقة.
وبالموازاة مع عملية التأهيل التي ستبادر بها الورشة المذكورة آنفا، تطرح العديد من التساؤلات لاسيما فيما يتعلق بالانطلاق الحقيقي لتهيئة هذه المحمية، خاصة وأن مديرية البيئة قد أكدت في العديد من المناسبات أنها قامت بإعداد دفتر الشروط الخاص بإعادة الاعتبار لهذا الموقع السياحي بعدما رصدت له أغلفة مالية هامة باستشارة العديد من الخبراء والمختصين من مختلف دول العالم الذين زاروا الموقع، لكن لحد الآن ما زالت هذه المحمية بحاجة لحماية والتفاتة المسؤولين في ظل انعدام العديد من المرافق والضروريات التي يحتاجها السائح، وفي مقدمتها غياب المرشدين السياحيين وصعوبة التنقل إلى هذه المحمية.
هذا، ويتطلع عشاق جزر حبيباس لأن تصير لؤلؤة سياحية إذا ما تم الاهتمام بها أكثر، كما يمكن لهذه الجزر أن تكون مشتلة لتنمية الموروث الإيكولوجي، علما أنّه إلى جانب جزر “حبيباس”، هناك جزر “بلان” و”رشقون”، التي تنتظر هي الأخرى مزيدا من الاهتمام على غرار عموم الجزر غير المأهولة بالبحر الأبيض المتوسط والتي يقدر عددها بنحو مئتي جزيرة.
لمياء بن دعاس