لقد حرص الإسلام على حفظ وصيانة الإنسان في جميع مراحل حياته؛ قال تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ” الإسراء: 70؛ وحيث إن الطفولة هي أول مرحلة في حياة الإنسان، فقد اعتنى بها وأولاها اهتمامًا كبيرًا؛ حيث يعتبر الإسلام أول المهتمين بحقوق الطفل منذ العصور الوسطى، وسبق في ذلك العصور الحديثة بأكثر من أربعة عشر قرنًا؛ وما ذلك إلا لأن الأطفال هم المستقبل وشباب الغد، فقد وضع الإسلام دستورًا شاملًا لحقوق الطفل يحتوي على حقوقه قبل مولده وهو جنين، وبعد ذلك في سنوات طفولته المختلفة؛ ومن هذه الحقوق:
أولًا: حقوق الطفل قبل ولادته: حيث أمر الإسلام بحسن اختيار الزوجة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك” رواه مسلم، كما حرم الدين الإسلامي الزنا؛ حفاظًا على الأنساب وعلى هُوِيَّةِ كل طفل، فيعرف كل طفل أباه وأمه، وينعم برعايتهما وحمايتهما. كما شرع الإسلام على الوالد الإنفاق على ابنه في حمله ورضاعته، وهذا الحق يشمل الطفل قبل ولادته وبعدها؛ قال تعالى: ” وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ” الطلاق: 6.
ثانيًا: حقوق الطفل بعد ولادته: تتعدد حقوق الطفل التي كفلها له الإسلام، لكن من أبرزها ما يأتي: حقه في الرضاعة؛ لما لها من أهمية للطفل في كل النواحي الجسدية؛ حيث تحميه من الأمراض وتقوي مناعته؛ لذلك فرض المولى سبحانه وتعالى على الأم أن ترضع طفلها حولين كاملين؛ لقوله تعالى: ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ” البقرة: 233، ثم حقه في أن يُسمَّى بأحسن الأسماء؛ حيث إن الاسم يرافق الإنسان طوال حياته وإلى مماته؛ أيضًا كفل الإسلام حق الطفل في حياة كريمة إلى أن يشتد عوده، ويصبح قادرًا على الحياة وتحمل مسؤولياتها، كما نادى الإسلام بعدم التفريق بين الذكور والإناث في المعاملة، فمن المعروف أن النفس البشرية جُلبت على حب الأبناء الذكور دون الإناث، فجاء الإسلام ومحا هذه الدعوة؛ كما حثَّ الإسلام على التعليم، وأكده من أول آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ” العلق: 1، فالطفل بطبيعته يحب تعلم كل جديد، ولديه حبٌّ للاستطلاع وللاستكشاف، كل ذلك يجعله قابلًا للتوجيه سلوكًا وعملًا؛ لهذا كان الوالدان ملزمَيْنِ بتعليم ابنهما العلوم الدينية والدنيوية، ومن أوجب ما يتعلمه الطفل الأمور الدينية؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “مُرُوا الصبي بالصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر” ، ويتضح من ذلك ضرورة تعليم الأطفال كل ما ينفعهم دينيًّا ودنيويًّا. وبناءً على ما سبق، يتضح لنا أن الشريعة الإسلامية اهتمت بالطفل اهتمامًا كبيرًا، فأوجبت له حقوقًا شملت جميع سنوات طفولته المختلفة، كما أن التوعية بحقوق الطفل هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع ومؤسساته؛ كالمسجد عن طريق الخطب، والمدرسة من خلال تضمين حقوق الطفل في المناهج الدراسية، والإعلام بما يقدمه من برامج تلفزيونية.