من جروح الذاكرة .. الأغواط تستعيد الذكرى 168 لإحدى المجازر الرهيبة لجيش الاحتلال الفرنسي

من جروح الذاكرة .. الأغواط تستعيد الذكرى 168 لإحدى المجازر الرهيبة لجيش الاحتلال الفرنسي

استعادت مدينة الأغواط الذكرى 168 لإحدى أفظع المجازر التي اقترفها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري، استعمل فيها القذائف الغازية السامة على المدينة طيلة يوم كامل، مما أدى إلى استشهاد أزيد من 2.500 شخص، حسب ما أفاد به الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بالأغواط، مداني لبتر.

غازات سامة وقذائف معبأة بالكلوروفورم

وأوضح نفس المسؤول أن أول استخدام لمصطلح ”الهولوكوست” كان بعد المعركة التي دارت على محيط المدينة بضفاف وادي مزي، وهذا بعد استخدام جيش الاحتلال الفرنسي لقذائف معبأة بالكلوروفورم، وهي مادة كيميائية سامة تصبح قاتلة حينما يتم إعدادها بنسب مركزة، إذ كل من استنشقها تتهيج رئته، وتحدث التهابات حادة في أنسجتها، مما يسبب اندفاع كميات متزايدة من السوائل الجسمية التي ينقلها الدم إلى الرئتين لتحدث اختناقًا شديدًا يؤدي إلى موت الضحية.

هذا القصف الكيماوي الذي نفذه المستعمر في حق ساكنة الأغواط ومقاوميها – والذين كان يقودهم أبرز قادة المقاومة الشعبية في الجزائر وهم كل من ابن ناصر بن شهرة والشريف بن عبد الله والتلي بلكحل، في حين أن القوات الفرنسية كانت بقيادة الجنرال بيليسي والجنرال بوسكاريل والجنرال جوسيف-، أدى إلى مقتل أزيد من ثلثي سكان المنطقة فورًا، نتيجة استنشاق الغازات السامة، وقدر عدد الضحايا بـ 2500 شهيد من مجموع 3500 نسمة من سكان الأغواط في تلك الفترة.

مقاومة باسلة رغم قلة الإمكانيات

فبعد تلك المعركة الطاحنة التي أبانت من خلالها عن مقاومة قوية وعتية رغم قلة الإمكانيات في وجه جيش مدجج بالجانب المادي والبشري، دخل جنود الاحتلال إلى المنطقة فوجدوها متناثرة بالجثث والموتى في كل مكان، وقضوا على كل مصاب أو في طور الاحتضار، حيث سجل العديد من المجندين الفرنسيين المشاركين في المجزرة في شهاداتهم، استغرابهم للطريقة غير المألوفة لهم التي قضي بها على ساكنة الأغواط بسبب هذا السلاح الكيماوي، حسب ما أفاد به الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، الدكتور عيسى بوقرين.

واعتبر مؤرخون أن استخدام القوات الفرنسية لهذه الطريقة غير الإنسانية كان السبيل الوحيد لإسقاط المدينة، حيث أنها كانت محصنة جيدا بسور يحيط بجوانبها الأربعة كانت بها سبعة أبواب يتواجد خلفها رماة يصعب اختراقهم، إلا أن استخدامهم للمدافع وقذائف الكلوروفورم هو ما عجل بسقوط المدينة التي كانت هدفا حقيقيا للمستعمر نظرا للموقع الاستراتيجي لها كبوابة لولوج فرنسا إلى الصحراء الجزائرية من أجل بلوغ مبتغى الاستثمار في الثروات الطبيعية الباطنية للجنوب.

وقال مدير المجاهدين لولاية الأغواط، محمد حلموش، إن متحف المجاهد يحوي مجموعة من المذكرات لضباط فرنسيين حول مقاومة الأغواط أبرزها تلك التي جاء فيها “عندما أخفينا كل الموتى لم يبق أحياء في المدينة إلا عساكر الحملة، كل البيوت كانت فارغة من أفقرها إلى أغناها، كانت كمدينة هُجرت.

وفي رحاب هذه المدينة السوداء الصامتة تحت أشعة الشمس، شيء يوحي أني داخل إلى مدينة ميتة وبموت عنيف. كانت المجزرة رهيبة، المساكن والخيم والأزقة والطرقات مليئة بجثث الموتى أحصيت أكثر من 2500 قتيل بين رجال ونساء وأطفال، لقد كان لزامًا لفرنسا لهذا الهولوكوست لتثبت عظمتها للقبائل المحاربة في الصحراء”.

وأضاف حلموش أن هذه المذكرات هي إقرار واعتراف ببشاعة واحدة من أسوأ وأعنف المجازر في حق الإنسانية عبر التاريخ.

وأضاف ذات المصدر أنه يتمنى إنجاز فيلم وثائقي يوثق الأحداث التاريخية للمنطقة ويعطيها حقها الكامل كي تبقى مرآة لتاريخ الأغواط المشرف، والذي فضل أبطاله ورجاله ونساؤه الموت على رفع راية الاستسلام أمام مستعمر مارس كل الطرق الهمجية واللاإنسانية في سبيل تنفيذ مخططات توسعه في الأراضي الجزائرية.

ق. م