من بين أكثر من 150 نوعاً من أنواع الصداع المعروفة, الصداع النصفي… مليار مصاب في أنحاء العالم

من بين أكثر من 150 نوعاً من أنواع الصداع المعروفة, الصداع النصفي… مليار مصاب في أنحاء العالم

 

قدمت مجلة “نيوإنغلاند جورنال أوف ميدسين” الطبية ضمن عدد 6 نوفمبر الحالي مراجعة دقيقة ومتقدمة عن آخر المستجدات الطبية حول عدد من النقاط المثيرة للجدل الإكلينيكي في الصداع النصفي. وعرض البروفيسور مسوود إيشن، طبيب الأعصاب بجامعة كوبنهاغن في الدانمارك وكاتب المراجعة العلمية الجديدة، حقيقة ما تشير إليه أحدث الإحصائيات الطبية عن مدى الانتشار الفعلي عالمياً للصداع النصفي، ومستجدات المحاولات العلمية لتفسير آلية الشعور بألم الرأس والأعراض الأخرى المرافقة لنوبات الصداع النصفي بطريقة سلسة وسهلة الفهم، وكيفية إجراء مراحل عملية تشخيص الإصابة بإحدى فئات أنواع الصداع النصفي، واتجاهات المعالجات الدوائية لهذه الحالة المرضية الشائعة.

اضطراب عصبي

هذا ولا يزال فهم خطوات الآليات الكيميائية العصبية التي تتسبب بنشوء الألم المميز للصداع النصفي مقارنة بغيره من أنواع الصداع، أحد التحديات لدى أوساط طب الأعصاب لتأثيره المباشر في دقة توجيه جهود البحث عن العلاج الدوائي الذي يستهدف أساس نشوء ألم الصداع النصفي، وفي نجاح وضع سلوكيات واضحة ومباشرة لطرق الوقاية وطرق المعالجة له.

وقال البروفيسور إيشن في مقدمة مراجعته العلمية: “الصداع النصفي هو اضطراب عصبي منتشر في كل مكان، ويؤثر على ما يقرب من مليار شخص في جميع أنحاء العالم”.

وهو ثاني أكثر الاضطرابات العصبية انتشارًا، وخاصةً لدى الإناث، حيث تبلغ نسبة الإصابات: ثلاث إناث لكل واحد من الذكور. ويصيب حوالي خمسة عشر في المائة من الناس في كل عام.

توسع شرايين الرأس

ولفهم المقصود بالتحدي علينا تذكر أن أنسجة الدماغ نفسه ككتلة لا توجد بها خلايا للإحساس بالألم أو غيره. ولذا يأتي السؤال: ما العلاقة بين توسع الشرايين داخل الجمجمة وبين الشكوى من ألم الرأس؟

ولتوضيح هذا الأمر، أفادت المراجعة العلمية أن فهم دور نظام الأوعية الدموية الثلاثي هو الركيزة التشريحية والفسيولوجية لآلية الصداع النصفي. ويمكن ترتيب فهم نشوء ألم الصداع النصفي وكيفية الشعور به عبر تتابع النقاط الست التالية:

– الدماغ داخل الجمجمة، مغلف بعدد من الطبقات الليفية السميكة والقوية جداً، وهي غلاف السحايا، وهو مكون من عدة طبقات، منها طبقة سميكة وقوية ملاصقة لعظام تجويف الجمجمة وتسمى في الترجمة العربية بـ “الأم الجافية” ، وطبقة أخرى ملاصقة للدماغ نفسه وتسمى بـ “الأم الحانية” ، وفيما بين الطبقين نسيج إسفنجي يسمى “الأم العنكبوتية” وهذه الطبقة الليفية للسحايا تمتلك خاصية الشعور بالألم، لأن فيها أعصابا للإحساس بالألم، ومصدرها هو العصب الثلاثي التوأم، كما سيأتي.

وهذا بخلاف نسيج كتلة الدماغ نفسه، الذي لا توجد فيه خلايا تشعر بالألم وتخبر المرء بأن نسيج الدماغ يتعرض لما يفترض أنه يتسبب بالألم فيه. وهذه إحدى المفارقات الفسيولوجية التشريحية العصبية.

ولذا فإنه لو تم تقطيع نسيج الدماغ بالمشرط فإن ذلك لا يتسبب بالألم، ولكن مجرد لمس غلاف السحايا للدماغ يثير الشعور بالألم. وأيضاً فإن مجرد حصول توسع غير طبيعي في الأوعية الدموية التي تمر خلال غلاف الدماغ، يثير الشعور بالألم.

– الإشكالية في الصداع النصفي هي حصول “توسع” في الأوعية الدموية التي تنتشر وتخترق غلاف السحايا. وهذا التوسع يحفز حصوله ظهور عدد من المركبات الكيميائية في المناطق المحيطة بالأوعية الدموية داخل تجويف الجمجمة، كما سيأتي.

– العصب الثلاثي التوأم هو أكبر الأعصاب التي تخرج من الجمجمة مباشرة (وعددها اثنا عشر) ومسؤول بالأساس عن الإحساس في الوجه والحركة في الفك، كالعض والمضغ، إضافة إلى عدد من المهام العصبية الأخرى، والتي من بينها الشعور بالألم في مناطق غلاف السحايا والأوعية الدموية في ذلك الغلاف. ومنظومة “الجهاز الوعائي الثلاثي” مكونة من تأثير العصب ثلاثي التوأم على آليات تدفق الدم إلى الدماغ ، عبر التغذية العصبية للأوعية الدموية التي تتواجد في غلاف السحايا وتدخل في أجزاء الدماغ لتغذيته بالدم. وتحديداً الخلايا العضلية المغلفة للشرايين داخل الجمجمة.

– ألم الصداع

> نتيجة لتنشيط الجهاز الوعائي الثلاثي، بـ”مسبب الألم” ، تتم إثارة الخلايا الدماغية على إفراز عدد من المركبات الكيميائية التي تعمل على توسيع الأوعية الدموية في داخل تجويف الجمجمة. ومن هذه المركبات الكيميائية كل من أكسيد النيتريك والبروستاتويدات، التي هي وسائط بيولوجية تعمل كموسعات للشرايين داخل الجمجمة ، إضافة إلى مركبات كيميائية أخرى تتسبب بحالة من التهاب الموضعي.

> حصول هذا التوسع في الأوعية الدموية داخل الجمجمة، وفي منطقة السحايا بالذات، وحصول حالة الالتهاب الموضعي حولها، يتسبب بصدور إشارات ورسائل عصبية من ألياف الإحساس العصبي بالألم التي تغذي طبقة السحايا المغلفة للدماغ والأوعية الدموية في غلاف السحايا للدماغ.

> تنتقل هذه الإشارات العصبية للألم لتصل إلى قلب نواة العصب ثلاثي التوأم ثم تنتقل منها إلى منطقة جذع الدماغ، ثم إلى منطقة المهاد داخل الدماغ، ثم إلى مناطق الشعور بالألم في داخل قشرة الدماغ. وحينها ينشأ الشعور بألم الصداع النصفي ، وبطريقة نابضة.

ويضيف أطباء الأعصاب في كليفلاند كلينك أنه بغض النظر عن نوع وسبب الصداع، فإن ثمة أعراضا وعلامات تتطلب سرعة مراجعة الطبيب عند الشكوى من الصداع، وهي ما تشتمل على:

< صداع مفاجئ وجديد وشديد.

< صداع يترافق مع أعراض عصبية مثل الضعف أو الدوخة أو فقدان التوازن المفاجئ أو السقوط أو خدر أو وخز أو الشلل أو صعوبات النطق أو الارتباك العقلي أو نوبات التشنج، أو تغيرات في الشخصية/ سلوك غير لائق، أو تغيرات في الرؤية (رؤية ضبابية، رؤية مزدوجة، أو نقاط عمياء).

< صداع مصحوب بحمى وضيق في التنفس وتيبس في الرقبة أو طفح جلدي.

< ألم الصداع الذي يوقظك في الليل.

< صداع مع غثيان شديد وقيء.

< الصداع الذي يحدث بعد إصابة في الرأس أو حادث.

< الإصابة بنوع جديد من الصداع بعد بلوغ سن ٥٥ سنة.