بدأ علم الأجنة في أوروبا متأخرًا جدًّا؛ فكانت بداية بحوثه العلمية في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ويعرض لنا الدكتور كيث بور أستاذ علم الأجنة بجامعة تورنتو في مؤلفه المشهور: الإنسان المتطور، نبذة تاريخية لبحوث الأجنة فيقول: في عام 1651م قام هارفي بدراسة أجنة الدجاج باستخدام عدسات بسيطة، وتوصل إلى القول بأن الأجنة جاءت من إفرازات الرحم، وفي عام 1677م استخدم العالمان هام وليفين هوك ميكروسكوبًا متطورًا، يريان من خلاله الحيوان المنوي الذكري، إلا أنهما لم يفهما دوره في عملية الإخصاب؛ فقد ظنَّا أنه يحتوي على جنين مصغر للإنسان وبذلك لا دخل للمرأة في تكوين الجنين، وتسمى هذه النظرية: نظرية التخليق المسبق.
وقد انقضى الجدال نهائيًّا حول نظرية التخليق المسبق حوالي عام 1775م عندما بين سبالانزاني أن كلاًّ من بويضة الأنثى والحيوان المنوي الذكري ضروري لتكوين الجنين. وفي عام 1875 تمكن هيرتويج من ملاحظة كيف يلقح الحيوان المنوي البويضة، وأثبت بذلك أن كلاًّ من الحيوان المنوي والبويضة يُسهِمان في تكوين البويضة الملقحة وكان بذلك أول إنسان يشاهد عملية التلقيح هذه، ويصِفها. وفي عام 1883م تمكن فان بندن من إثبات أن كلاًّ من البويضة والحيوان المنوي يساهمان بالتساوي في تكوين البويضة الملقحة. وهكذا يبدو بوضوح أن الإنسانية لم تعرف بواسطة علومها التجريبية أن الجنين الإنساني أو الحيواني يتكون بامتشاج واختلاط نطفة الذكر ونطفة الأنثى إلا في القرن التاسع عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في القرن العشرين.
أما على الجانب الآخر، فنجد أن هذه المعلومات الأساسية في متناول كل مسلم يقرأ القرآن، يعرفها الصبي الذي يتتلمذ على معلم القرآن، كما يعرفها البدوي الذي حفظ شيئًا من آيات القرآن. فلقد جاءت أول آيات القرآن نزولاً تحدِّث الناس عن خلق الإنسان، فتقول: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ” العلق: 1، 2. ويبين القرآن أن الإنسان خُلق من اختلاط نطفتي الجنسين، الذكر والأنثى: “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” الإنسان: 2. ولقد بيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في إجابته ليهودي سأله عما إذا كان تخليق الإنسان من الرجل أم من المرأة؟ فقال له: “يا يهودي، مِن كلٍّ يخلق، من نطفة الرجل ونطفة المرأة” أخرجه أحمد.