من الأطباق التي لا يستغنون عنها.. “الحريرة” ملكة موائد سكان البيض في رمضان

من الأطباق التي لا يستغنون عنها.. “الحريرة” ملكة موائد سكان البيض في رمضان

يعد طبق الحريرة أو “إيوزان نزنبو” بالتسمية الأمازيغية، واحدا من الأطباق الأصيلة المتجذرة التي لا يستغني عنها سكان بوسمغون، جنوب ولاية البيض، طيلة الشهر الفضيل.

وتحافظ العائلات في هذه المنطقة الهادئة المعروفة بتاريخها العريق والتي تشتهر “بقصر بوسمغون” أو ما يعرف “بالقصر الأسعد” و”خلوة الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني”، على هذا الطبق الأصيل الذي تدخل في تحضيره عدة مكونات، تحرص ربات بيوت المنطقة على أن تكون “محلية الانتاج”، لا سيما مما تجود به واحة وبساتين بوسمغون.

 

تحضيرات مسبقة

وتحرص ربات البيوت على تحضير المادة الأساسية لهذا الطبق “دشيشة”، وهي دقيق قمح الشعير بنفسها قبل حلول شهر رمضان، وذلك خلال فترة الحصاد، حيث تتم تنقية سنابل القمح من كل الأعشاب وتغسل وتترك لتجفف، لتليها مراحل أخرى إلى أن يصل القمح لمرحلة الطحن بواسطة آلة تقليدية مصنوعة من الحجر تسمى “تقروشت” أو “تاسيرث نومادون”، حسب ما ذكرته السيدة مازوزي زوبيدة، مختصة في الطبخ التقليدي ببوسمغون.

 

تحضير تقليدي لطبق عريق

وعن كيفية تحضير هذا الطبق “الشهي”، يؤخذ مقدار من مادة “دالشيشة” التي تغسل وتنقع في إناء به ماء ويوضع فوق “قدر المرق” الذي يحتوي على اللحم والزيت والملح وبعض التوابل على غرار “الزعفران” و”رأس الحانوت”، فضلا عن الخضر من جزر وبصل وبطاطا وطماطم طازجة وثوم، بالإضافة إلى بقدونس والكرافس وغيرها، قبل أن يوضع القدر يغلي على نار هادئة.

حضور رئيسي طيلة أيام الشهر

ولا تكاد موائد العائلات البوسمغونية تخلو من هذا الطبق، طيلة أيام الشهر الفضيل، بل يعتبر الطبق الأساسي للإفطار “بلا منازع”، شأنه شأن تناول حبات التمر الضرورية مع الحليب بمجرد سماع أذان المغرب كل يوم من رمضان.

ويعتقد الحاج عيسى، أحد سكان المنطقة، أن طبق الحريرة مرتبط بنكهة هذا الشهر الفضيل، مبرزا بقوله “لا يمكنني أن أباشر مائدة الافطار الرمضانية بدون احتساء الحريرة البوسمغونية التي تعطر روائح توابلها فضاء المطبخ وبهو الأكل بالمنزل”.

واعتبرت زوجة الحاج عيسى أن فنيات تحضير هذا الطبق قبيل رمضان تشغل الحديث النسوي بالمنطقة، بالرغم من أن طريقة تحضيره لا تختلف كثيرا بين منزل وآخر، مضيفة أن الاختلاف يمكن أن يحصل فقط في كميات وبعض أنواع التوابل المستعملة.

أما سعيد، وهو تاجر ببوسمغون فيعتقد أنه لا تكتمل نكهة طبق “إيوزان نزنبو” إلا برفقة الخبز المطهي بالمنزل والمصنوع بمادة الدقيق، مضيفا أن التنافس “حاد” لصنع أجود وأحلى أصناف “كسرة الدار” لتناولها مع حريرة بوسمغون الشهيرة.

 

طبيعة رعوية وسكانها من البربر

جغرافياً تقع بوسمغون في غرب الهضاب العليا للجزائر وهي تقع وسط جبال القصور التي هي جزء من سلسلة الأطلس الصحراوي الممتدة من المغرب الأقصى إلى تونس مروراً بالأراضي الجزائرية. هذه الجبال تتميز داخل الجزائر بارتفاعها المتوسط الذي يتراوح بين 2500 و 3500 م فوق سطح البحر. ترتفع أراضي بوسمغون بـ 1199 م فوق سطح البحر وهذا ما جعلها تنتمي إلى أراضي الهضاب العليا المحصورة بين سلسلتي الأطلس التلي و الأطلس الصحراوي. تحاصر بوسمغون كتل جبلية من كل الجهات تقريباً و أبرزها جبل تامَدَّة من الشرق وجبل تانوت من الغرب مما أثر في طبيعتها و مناخها معاً.

هذا الموقع الفلكي جعل مناخ بوسمغون مناخاً انتقالياً بين المناخين الصحراوي و المتوسطي، فهو من جهة حار جاف في الصيف وعكس ذلك في الشتاء، حيث هو أكثر رطوبة وأمطاراً، وبسبب ارتفاع السطح فالجو عادة ما يكون بارداً جداً في الكثير من أيام الشتاء.

أما فيما يخص الطبيعة، تمتاز أراضي بوسمغون بكونها أراضٍ رعوية كغيرها من أراضي الهضاب العليا في الجزائر نتيجة نمو الأعشاب والحشائش التي هي الغذاء الطبيعي والمفضل للأغنام، الأمر الذي جعل تربية الأغنام إلى جانب الزراعة المعيشية النشاطين الاقتصاديين الأولين لمعمِّري المنطقة. لقد عرف الغطاء النباتي الطبيعي في بلدية بوسمغون تدهوراً كبيراً في السنوات العشرين الأخيرة بسبب زحف الرمال، الجفاف والرعي الفوضوي ولا توجد أية إشارات ايجابية حول عودة الغطاء النباتي إلى سابق عهده نتيجة استفحال ظاهر التصحر وغياب آليات المراقبة الصارمة لعمليات الرعي والرعاة.

بمحاذاة البلدة من الجهة الغربية، يمر واد موسمي الجريان سمح بقيام واحة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالسكان وشكلت نمط عيشهم وكانت إحدى العوامل الرئيسية التي ساعدتهم على الاستقرار. تضم هذه الواحة مساحات واسعة نوعاً ما من الأراضي الصالحة للزراعة سمحت لأهل البلدة بممارسة الزراعة منذ فترة بعيدة وذلك لتوفير كل حاجياتهم الغذائية. تنبت في أراضي الواحة أنواع مختلفة من الخضر والفواكه نذكر منها الرُّمان ذو الجودة العالية والتمور ذات الذوق الرفيع وهما اللذان صنعا شهرة بوسمغون.

أما عن سكان بوسغمون فأغلبهم من البربر وهم السكان الأصليون، والباقي ينتمون إلى قبائل عربية مختلفة من البدو الرحل بدأوا شيئاً فشيئاً بالانتقال إلى البلدة والبلديات المجاورة لأسباب مختلفة. يتكلم السكان البربر اللغة البربرية أو الأمازيغية التي بقيت راسخة فيها إلى يومنا هذا رغم التأثير العربي الكبير الذي جعل اللغة البربرية تندثر تقريباً في البلديات الأخرى المجاورة لها مثل بلديات الشلالة، عسلة، مغرار، تيوت وسفيسيفة.

ق. م