من ربوع بلادي

من أهم المسالك السياحية في تلمسان.. معالم ومواقع تراثية تميز المكان

من أهم المسالك السياحية في تلمسان.. معالم ومواقع تراثية تميز المكان

تعد المعالم والمواقع الثقافية والتراثية في تلمسان من أهم المسالك السياحية التي يتردد عليها السواح المحليون والأجانب في الولاية على طول العام، بالنظر لما تزخر به تلمسان من ثراء حضاري كبير وتاريخ قديم تعكسه العهود الإسلامية المتعاقبة على المكان وخصوصا الزيانية.

وإذا كان الكثير من الزوار يقصدون الولاية للاستمتاع بمناظرها الطبيعية وشواطئها وحماماتها، صيفا وشتاء، فإن الكثير منهم أيضا يقصدونها لماضيها الحافل الذي يتجلى في العديد من المعالم والمواقع الأثرية وكذا المتاحف والمراكز الثقافية التي تبرز تراثا ثقافيا وعمرانيا متنوعا وساحرا.

 

ولاية رائدة في الجذب السياحي

تعتبر تلمسان “من الولايات الجزائرية الرائدة في الجذب السياحي” وتعد “معالمها ومواقعها التراثية والثقافية من المسالك السياحية الأهم التي يتردد عليها السواح المحليون والأجانب في الولاية وعلى طول العام”، يقول مدير السياحة والصناعات التقليدية للولاية، عبد المالك طالبي.

ويوضح المتحدث أن تلمسان “تحوز العديد من المعالم الثقافية والتراثية أبرزها قلعة المشور ومنارة المنصورة والمسجد الكبير والمركب الديني لسيدي بومدين ومدينة ندرومة..”، فالولاية “غنية تاريخيا وثقافيا وتراثيا، وقد عرفت تعاقب العديد من الحضارات مما قبل التاريخ وصولا إلى الفترة الإسلامية، ما ترك آثارا كبيرة”.

 

سياحة مفتوحة على مدار السنة

ويوضح المتحدث أن السياحة في المنطقة “مفتوحة ومستمرة على طول العام ولا تتعلق بفصل معين”، لافتا إلى أن مديريته قد أطلقت في 2021 مسلكا ثقافيا إلى جانب خمسة مسالك أخرى بين دينية وساحلية وحموية (الحمامات) وطبيعية وأخرى تخص الصناعات التقليدية، حيث تم توزيعها على الوكالات السياحية بالولاية.

ويشير المتحدث في هذا الإطار إلى أن السياحة الطبيعية تتعلق بمواقع مختلفة على غرار مغارة بني عاد، وهي ثاني أكبر مغارة في العالم حيث يصل أحيانا عدد زوارها في فصل الصيف إلى “7 آلاف”، وشلالات لوريط وغيرها، مضيفا أنها سياحة “متنوعة حيث تشمل الساحل والهضاب والغابات”.

وأما السياحة الحموية، يضيف المدير، فتشمل العديد من الحمامات على غرار حمام بوغرارة وحمام شيقر، في حين تتعلق السياحة الدينية بالكثير من المساجد العتيقة والزوايا، كما تستضيف تلمسان العديد من الوفود التابعة للطرق الصوفية والتي كان آخرها “وفد دولي للطريقة التيجانية”.

وفيما يخص السياحة الساحلية، فيوضح أن الولاية تضم ساحلا بطول “73 كلم به حوالي 19 شاطئا” تستقبل عددا كبيرا من المصطافين.

كما تستقبل الولاية “وفودا دورية في إطار التظاهرات الوطنية على غرار احتضان الجزائر الأخير للقمة العربية ووهران للألعاب المتوسطية والمهرجان الدولي للمنمنمات وفنون الزخرفة، الذي نظمت طبعته الـ 12 نهاية شهر نوفمبر الماضي، وكذا الولائية والتي تخص الموسيقى والصناعات التقليدية والمناسبات الدينية وغيرها”، يقول السيد طالبي.

 

أهداف مسطرة لدعم السياحة

وعن أهداف المديرية، يوضح المدير أنها تعمل على “إيجاد دواوين سياحية على مستوى كل بلدية أو دائرة تضم أشخاصا على دراية بالتراث وتاريخ المنطقة”، بالإضافة لـ “توفير وعاء من العقار السياحي لإنجاز مرافق سياحية جديدة من فنادق وغيرها”، لافتا في هذا السياق إلى أن الولاية تضم “61 فندقا بحوالي 4447 سريرا”، إضافة إلى “المخيمات ومراكز العطل وبيوت الشباب وكذا ما يعرف بالإقامة لدى الساكن”، حيث تصل جميعها إلى “ما يقارب 9 آلاف سرير”، وهو رقم “غير كاف مقارنة بأعداد السواح”.

 

الشدة التلمسانية”.. لباس للعروس ورمز للحضارة

يعتبر لباس العروس في تلمسان والمعروف بـ “الشدة” من أبرز الأزياء النسائية الخاصة بالأفراح والمناسبات في الجزائر، إذ يعكس تاريخا طويلا من الحرفية والإبداع والمهارات الاجتماعية والثقافية المتوارثة عبر الأجيال والتي أصبحت رمزا لهوية المنطقة وتراثها.

وتدخل “الشدة التلمسانية”، التي صنفتها اليونسكو ضمن التراث الثقافي اللامادي للإنسانية في 2012، ضمن إطار من الممارسات الاجتماعية المتعددة ذات التاريخ الطويل والمرتبطة خصوصا بمراسم الزفاف بمنطقة تلمسان وما جاورها، إذ يعكس هذا اللباس روعة الصناعة الحرفية وجماليات التقاليد التلمسانية والجزائرية بشكل عام.

يعود أصل كلمة “الشدة” إلى “شد الرأس”، حيث “كانت المرأة قديما تشد رأسها بقطعة من قماش وتلفها حوله وتزينه بالحلي، وكلما زاد لف القماش كلما دل على رفعة المرأة وعلو مقامها في مجتمعها”، وفقا للباحثة في التراث ومديرة مركز الفنون والمعارض بتلمسان، سميرة أمبوعزة، التي تضيف أن لـ “الشدة” معنى رمزيا أيضا يتمثل في “قوة تحمل العروس لثقل هذا اللباس”.

وتوضح المتحدثة أن اليونسكو قد صنفت هذا اللباس “للممارسات الشعبية التي رافقته والمحطات التاريخية التي مر بها”، مضيفة أن سكان تلمسان “متمسكون به كثيرا حتى قبل التصنيف ولا توجد أعراس من دونه، فالفتيات الصغيرات يبدأن في ارتدائه وهن بنات عام واحد، خلال المولد النبوي الشريف، ثم ترتدينه في كل المناسبات تقريبا حتى تتدربن عليه، ويغرس فيهن حبه، ويكون لديهن قابلية نفسية للبسه وهن عرائس، وتحمّل ثقله”.

هذا، ويعود تاريخ “الشدة التلمسانية”، التي تعتبر من رموز تراث منطقة تلمسان، إلى ما قبل سقوط الأندلس، حيث كانت ترتديها الأميرات ونساء الطبقة الراقية بتلمسان أيام الدولة الزيانية قبل أن تتحول إلى لباس خاص بالعروس التلمسانية ونتاجا ثريا بعناصرها المتنوعة لمختلف الحضارات المتعاقبة على المنطقة فـ “القرفطان” (القفطان) يعود للعثمانيين و”البلوزة” للعرب و”الفوطة” للأمازيغ في حين أن “الشاشية” للأندلسيين، وفقا للعديد من الباحثين.

ولا تزال العروس التلمسانية متمسكة بارتداء هذا الفستان الفاخر الذي “تتصدر” به في يوم زفافها وتبقى مرتدية له طوال اليوم وإلى غاية دخولها بيت زوجها، فهو لباس إلزامي يتمتع بالسحر والأبهة والأناقة التقليدية وليس في وسع عرائس المنطقة الاستغناء عنه، ونظرا لغلاء أسعاره والذي يعتمد أساسا على نوعية “القرفطان” وكذا نوعية وحجم الحلي والجواهر والإكسسوارات التي ترافقه، فإن الكثير من العرائس اليوم يقمن باستئجاره.

يقول إسلام، وهو بائع “شدة” بحي “سيدي حامد” العريق بوسط تلمسان، إن هذا اللباس التقليدي “إلزامي في الأعراس المحلية”، وأن هناك “إقبالا كبيرا عليه وحتى من خارج المدينة وخصوصا من الولايات المجاورة كوهران وغليزان وعين تيموشنت وسيدي بلعباس، وأيضا من الخارج”.

الشكل الحالي للشدة تبلور إبان القرن 17، وهو يتكون من عدة قطع من الملابس المتناسقة في الألوان والطرز والتزيين وطريقة اللبس، مطرزة بخيوط ذهبية ومرصعة بالأحجار الملونة، فـ “البلوزة” تلبس أولا ثم “الفوطة” فوقها وهي قطعة قماش طويلة تلف حول الخصر وتمتد إلى كعب القدم ثم يلبس “القرفطان” فوق هذه الأخيرة وهو شبيه بالمعطف.

وهناك أيضا “الشاشية”، وهي قطعة مخروطية الشكل توضع على الرأس، وكذا “المنديل” المذهب والذي يوضع بدوره فوقها، بالإضافة إلى “العبروق” وهو وشاح مرصع بالأحجار يوضع فوق “المنديل”.

وتصنع “البلوزة” و”الفوطة” من “المنسوج”، وهو قماش حريري مذهب أدخله العثمانيون للمنطقة وينتج فقط في تلمسان.

وتعد الحلي والإكسسوارات المتعلقة بـ “الشدة” جزءا أساسيا مكملا لها إلى جانب الأثواب، ومنه ما يوضع على الرأس ومنه أيضا ما يوضع على الصدر، فالقطع التي تزين الرأس تعطي عند الإنتهاء من ارتدائها شكل تاج ثقيل يضم قطعتي “الجبين” و”الزروف” وهي سلسلة ذهبية مزينة بقطعة صغيرة في الوسط على شكل قطرة ماء، وتلف القطعتان على الجبين بداية بـ “الجبين” وفوقه “الزروف” أو “الزراريف”، وهنا تظهر احترافية المرأة ملبسة العروس التي تركب القطع فوق بعضها.

كما تضاف قطعتان متشابهتان في الشكل تشبهان الأقراط وتسميا بـ “لخراص”، وأما ما يوضع على الصدر فيبدأ من أعلى العنق بقلادة تلف حوله تسمى “المديبحة” ثم يتواصل وضع سلاسل اللؤلؤ المعروفة باسم “الجوهر” وبشكل تسلسلي ليغطي الصدر تماما، حيث يصل أحيانا إلى الركبة، وتقول بعض الروايات إن سلاسل “الجوهر” ترمز للنقاء والصفاء.

وتوضع فوق “الجوهر” قلادات ضخمة من الذهب الخالص تتنوع بين “المسكية” المصنوعة من العنبر، وكذا سلسلة “السلطاني” أو سلسلة “اللويز” التي ظهرت إبان الاحتلال الفرنسي، ثم الأساور، وبعدها “البريم” وهو نوع من الخلخال.

وتعرف السيدات المختصات في عملية تلبيس “الشدة” بـ “ملبسات العروس”، ومن بين هؤلاء بن عزة حاجة آسيا التي لها “40 سنة خبرة” في تلبيس العرائس، وهي أيضا رئيسة جمعية “كنوز التراث الجزائري” المحلية التي تعمل على “حفظ التقاليد التلمسانية والترويج لها.

ويقول رئيس قسم الدراسات البيداغوجية والتقنيات التعليمية بالمركز التفسيري ذي الطابع المتحفي للباس التقليدي الجزائري الكائن بتلمسان والتابع لوزارة الثقافة والفنون، أبو بكر سنوسي، إن “الشدة ومختلف مكوناتها تحمل رموزا ودلالات تاريخية واجتماعية”.

ل. ب