ولد عام 732هـ، وتوفي 808هـ، وقد صنّف المصنفون من أهل المشرق والمغرب حول جهود هذا العالم الفذ وآثاره، إلا أن مآثره تبقى بحاجة إلى مزيد من التنقيب والتفتيش، وإن الناظر في تراث ابن خلدون؛ يلمح بكل وضوح معاني العمق والإنصاف في القضايا والمسائل التي ذهب إليها، ويجده قد اهتم بكل ما له علاقة بمعاش الناس وحياتهم وما يصلح لهم ويصلحهم، وقد تحدث عن قضايا الأمم والشعوب وقبائلهم، وتاريخهم، وما يتعلق به من علوم ومعارف، إن العصر الذي عاش فيه ابن خلدون عصرٌ متقلبٌ كثيرُ الأحداثِ، لعلها تشبه ما تمر به أمتنا في أيامنا هذه، حيث تظهر فيه سمة التشتت والوهن في العالم الإسلامي، وذلك بسبب النزاعات السياسية والمذهبية والاجتماعية التي كانت تعصف بالمجتمع في كل مكان في المشرق والمغرب، وقد ذكر ابن خلدون الكثير عن تلك الأحداث، ويمكن إجمال صورة ذلك العصر بأن أمصار العالم الإسلامي أصبحت في حالة من التفكك وعدم الاستقرار، وفيه بدأ المد الغربي الخارج من ظلماته في ذلك العصر ينظر بعين الشوق إلى محاولة بسط سيطرته على مقدرات الأمة الإسلامية وخيراتها، حيث خرجت أجزاء من بلاد الأندلس من حوزة العرب إلى حكم الأسبان، وبقيت منها منطقة صغيرة في يد بني الأحمر، تشمل غرناطة وما يحيط بها، وكانوا رغم كل هذا في تناحر وخصام. في مثل هذا الجو المأساوي المظلم وُلد وعاش ابنُ خلدون، وهو أحد العلماء الذين كان لهم الفضل في تأسيس كثير من العلوم الحياتية كعلم الاجتماع وغيره، ويبدو تجديده في علم التاريخ واضحاً من خلال كتابه القيم “العبر” حيث يستقرئ أحداث التاريخ، الماضي منه والحاضر بطريقة علمية أصيلة.