يعتبر الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي واحدا من أساطين العلم والتربية والدعوة والبلاغ والتحريك والتفعيل في أيام القرن التاسع الهجري، تلك الأيام التي بدأت فيها شمس دولة المسلمين بالتواري نتيجة معضلات سياسية وتربوية مختلفة، وتتجلى ريادته في إحيائه لمفهوم العالم الرباني والوارث المحمدي، وبراعته في إيصال الحقائق الإيمانية والأنوار الشرعية لمساحات عريضة في إفريقيا الغربية، حيث برع في التمكين للشريعة الإسلامية على مختلف الأصعدة الشعبية والرسمية، وجعل قدم الإسلام راسخة أمام موجات الوثنية والتخلّف والبدائية التي كانت تخنق تلك الأصقاع، ويعسر على الباحث في هذه الورقة إضاءة حياة المغيلي بكل تجلياتها، نظرا لترامي مسيرته العلمية وكثرة رحلاه ووفرة شيوخه وتلاميذه ومؤلفاته الكثيرة التي استحق بها لقب الإمامة، ولد حوالي (820-830ه). ومن المؤكد أنه تلقى العلم بحوض الشلف حيث أحواز قبيلته، ثم يمّم شطر تلمسان حيث جلس في حلقها وانتسب لمدارسها، ثم ارتحل إلى بجاية والجزائر، فتتلمذ على كبرائهما، ويحسب له التحصيل الدائم في دراسته العلوم الشرعية والعقلية والأدبية حيثما حلّ أو ارتحل، حيث لم يترك الاستزادة من العلوم المتداولة حتى في فترة استوائه العلمي إلى أن توفي ببلاد توات بصحراء الجزائر سنة (909ه). من أبرز شيوخ الإمام المغيلي وتأثيرهم عليه وهم كثر أهمهم موسى بن يحيى بن عيسى المغيلي (875ه)، مرجع المذهب المالكي في حينه واشتهر بالقضاء والتوثيق، وأخذ عنه العلوم الشرعية مستزيدا من إمامته وتبرزه في علوم الحديث والفقه، ومن أبرز شيوخه الإمام أبو عبد الله السنوسي علامة تلمسان.