في سُبُلِ المتقين ومدارج السالكين، الصحابي أبي بن كعب بدري من بني مالك بن النجار من الخزرج، كاتب وحي رسول الله ﷺ، ومن كتّاب كتب النبي ﷺ للقبائل، ومقرئ الوفود القرآن في زمن رسول الله، عالم الحفّاظ، وحافظ العلماء، وسيد القرّاء، وحافظ كلام الرحمن، بعد بيعة العقبة الأولى وقبل الهجرة النبوية بسنتين أرسل رسول الله ﷺ، مع من بايع من أهل المدينة مصعب بن عمير رضي الله عنه، يعلمهم الإسلام، ويدعوهم له، ويفقههم في الدين، فنزل مصعب في المدينة على أسعد بن زرارة، وفي هذه الأثناء أسلم أبي بن كعب رضي الله عنه، وانصرف إلى قراءة القرآن ودراسته. واستدار العام، ورجع مصعب إلى مكة، وجاء الموسم، واستعد الحجاج، وتهيأ أبي رضي الله عنه للحج إذ كانت نفسه تتوق لرؤية رسول الله ﷺ، وفي الموسم واعد رسول الله ﷺ مسلمي المدينة في العقبة، من أوسط أيام التشريق ليلاً بعد الثلث منه، وتم اللقاء، وكانت بيعة العقبة الثانية، وهي بيعة الحرب، وكان الأنصار ثلاثة وسبعين رجلاً، منهم اثنان وستون من الخزرج من بينهم أبي بن كعب رضي الله عنه، وأحد عشر من الأوس، ومع الرجال امرأتان من الخزرج. وغمرت الفرحة قلب أبي رضي الله عنه بلقائه مع رسول الله ﷺ، وشعر بالسعادة، ولم يلبث الركب أن ارتحل، وسار معه أبي رضي الله عنه. ولما وصل رسول الله ﷺ، إلى المدينة مهاجراً، نزل الرسول ﷺ، في دار أبي أيوب الأنصاري، خالد بن زيد، وهو من بني النجار أيضاً، وكان أبي رضي الله عنه يتردد على رسول الله ﷺ، شوقاً ومحبة، ولكتابة الوحي، ولسماع القرآن منه، وكان القرب يساعده على ذلك. وأما خُلقه رضي الله عنه، فقد كان رجلاً كريم الأخلاق، سمح النفس يألف ويُؤلف، يحب معالي الأمور ويحافظ على العهود، جريئاً في الحق، صادعاً به، ينهى عن المنكر ولا يرضى به، مع التواضع الجم وعدم الترفع على المسلمين.