إن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، نعمة العافية، قال تعالى عن نبي الله هود عليه السلام وهو يخاطب قومه: ” وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ” هود: 52. وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. والغبن أن يشتري الإنسان السلعة بأكثر من ثمنها، فمن صح بدنه وتفرغ من الأشغال العالقة به، ولم يسع لإصلاح آخرته يقال عنه: رجل مغبون. وروى الترمذي في سننه من حديث عبيد الله بن محصن الخطمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”. قوله: “آمنًا في سربه”، أي: آمنًا على نفسه وأهله وعياله وماله. قوله: “معافى في جسده”، أي: من الأمراض، أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام. قوله: “عنده قوت يومه”، أي: كفاية قوته وحاجته من وجه حلال. قوله: ” فكأنما حيزت له الدنيا”، أي: ضمت وجمعت، فمن جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصيته. وروى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة”. فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن أفضل ما سأله العباد أن يعافيهم الله، لأن العمدة الكبرى والمنحة العظمى في نيل السعادة الدنيوية والأخروية هي العافية.
الدكتور مسلم اليوسف