إن من أعظم الظلم: الرِّشوة، قال المقري الحنفي: “الرِّشوَةُ بالكسرِ: ما يُعطيهِ الشخصُ الحاكمَ وغيرَه ليَحكُمَ لهُ أو يَحْمِلَهُ على ما يُريدُ”، فالرِّشوةُ تُفسدُ الأخلاق، وتقضي على روح المحبة بين المسلمين، وتنشر الظلمَ والعداوة، وتجعل النفسَ دنيئةً ذليلة، وتُعينُ على خيانة الأمانة، وتُضعفُ التعبُّد لله بالمراقبة. لقد دلَّ الكتابُ والسنةُ والإجماع على تحريم الرِّشوة، وأنها من كبائر الذنوب، وأنَّ استحلالها كُفرٌ، والعياذ بالله. قال الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ “، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “الرِّشوة من أشدِّ أنواع أكل الأموال بالباطل”.
وقال تعالى: ” وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “، ولقد ذمَّ اللهُ اليهودَ وشنَّعَ عليهم لأكلهم السُّحت ومن أنواعه الرِّشوة، فقال: ” أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “، قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: “السُّحتُ: الرُّشا” رواه ابن جرير، وتقدَّم أن الرِّشوة من السُّحْتِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “إنهُ لا يَدخُلُ الجنةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ” رواه ابنُ حبان وصحَّحه الألباني.
فليتقِ الله كلُّ موظفٍ، وليحذر سَخَطَهُ، وليتجنب أسباب غضبه، فإن الله جلَّ وعلا غيورٌ إذا انتُهكت محارمُه، قال صلى الله عليه وسلم: “لا أحدَ أغيرُ من اللهِ” متفقٌ عليه، وليُجنِّب نفسه وأهله المال الحرام والأكل الحرام، نجاةً بنفسه وأهله من النار التي جعلها الله أولى بكلِّ لحمٍ نَبَتَ من الحرام، كما أن المأكل الحرام سببٌ لحجب الدُّعاء وعدم الإجابةِ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “أيُّها الناسُ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبلُ إلا طيِّباً، وإنَّ اللهَ أَمَرَ المؤمنينَ بما أمَرَ بهِ المرسلينَ، فقالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وقالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ، ثُمَّ ذكَرَ الرجُلَ يُطيلُ السفرَ أشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يديهِ إلى السماءِ، يا ربِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وغُذِيَ بالحَرَامِ، فأنَّى يُستجابُ لذلكَ؟” رواه مسلم.