شرَع اللهُ صلاة الاستسقاء عند الجدب والقحط، وتأخُّر نزولِ الأمطار في بعض ديار المسلمين؛ لأن النفوس مجبولة على الطلب ممن يُغيثها وهو الله وحده، وكان ذلك معروفًا في الأمم الماضية، وهو مِن سُنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد ورد في الكتاب العزيز: ” وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ” البقرة: 60. وقد استسقى خاتمُ الأنبياء نبيُّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم مراتٍ متعدِّدة، وعلى كيفيَّاتٍ متنوِّعة، وكلها مشروعة، فللمسلمين أن يَستَسقوا تارةً بالصلاة جماعةً أو فُرادَى، وتارةً بالدعاء في خطبة الجمعة، وتارةً بالدعاء عقِب الصلوات، وتارةً أثناء السجود؛ يَدْعُون بنزول الغيث بَعد التسبيح سِرًّا. وقد ثبتَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم الاستسقاءُ، ومما نُقل عنه من الكيفيَّات: أنه دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب في الناس، فقال: يا رسول الله، هلكَتِ الأموالُ، وانقطعَتِ السُّبلُ، فادعوا الله يُغيثنا، فرفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يديه، ورفع الناسُ أيدَيهم، وقال: “اللهمَّ أغِثْنا” ثلاث مرات، وكانت السماءُ صحوًا، فأنشأ الله سبحانه، فرعدت وبرقت وأمطرت، ولم ينزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المنبر إلا والمطر يتحادر مِن لحيته. وخلاصة أحكام صلاة الاستسقاء ما يأتي:
– ينبغي أن يخرج الناس لصلاة الاستسقاء الصغار والكبار.
– إذا أراد المسلم الصلاة، فينبغي أن يَسبقها التخلُّص من مظالم الخلْق، والبُعد عن الشحناء والخلاف، ويقدِّم صدقة للفقراء والمساكين، ويَصْدُق في توبته، ويُكثر من الاستغفار.
– يخرج المسلم للصلاة خاشعًا متذللًا ضارعًا إلى الله، مُظهِرًا الخوفَ والخشية عكْس خروجِه لصلاة العيد؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للاستسقاء متذللًا متواضعًا، خاشعًا متضرعًا.
– يحسُن أن يَرفَع المسلم يديه حال الدعاء، ويدعو بمجامع الدعاء، وحتى حال الخطبة إذا استَسقَى الإمامُ يوم الجمعة، فيرفع المسلم يديه، ويُؤمِّن على دعاء الإمام.
فعلينا أن نخلع عنا أردية الخطايا ونتجرد من الذنوب والمظالم ليُرفعَ ما بنا، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ” أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ.