الإنسان في هذه الحياة عرضة لتغيُّر الأحوال وتقلُّب الأطوار، ولأن طاقات الإنسان ووسائل علمه محدودة، فقد يرى النعمة نقمة، والنقمة نعمة، والسرور شرورًا، والشرور سرورًا، غير أن المؤمن ينظر إلى الحياة بمنظار شرعي مضيء فيرى الحقائق على ما هي عليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له” رواه مسلم. والبلاء بالمكاره عندما ينزل على المؤمن يواجهه بالصبر والرضا، حتى ينقلب ألم المصيبة إلى فرحة، وكرهها إلى محبة، والضيق بها إلى سعة في ظلها؛ لأنه يوقن أنها فعل الودود الرحيم العليم الحكيم، وأن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، وأن المضرَّات أبواب المسرَّات، والمواجع مصاعد الارتقاء إلى العلياء، وأن طلائع الشقاء من أول لمحة هي مفاتيح السعادة إذا وصلت وصادفت قلبًا راضيًا؛ قال تعالى: ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” البقرة: 156، 157، ويرى المؤمن الصابر الراضي أن هذه الآلام تفتح له من أبواب الخير ما لا يخطر بباله، لو لم يكن له فيها إلا رفع المنزلة والدرجة عند الله وكثرة أجره وثوابه على صبره عليها، لكفى. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ” لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: ” إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط” رواه الترمذي. فالمؤمن إذا استحضر هذه الأحوال، وعمل بما أمره الله به، صار في عيش طيب ولذة ممتدة، فاتسعت له الحياة بعد أن اتسع قلبه وانشرح صدره، قال تعالى: ” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” التغابن: 11.
من كتاب منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري