لقد أنعم الله تعالى على الإنسان بنعم لا تُحصى ولا تُعد؛ بل إن النعمة الواحدة فيها من النعم الباطنة والظاهرة ما لا يُحصيه إلاَّ الله سبحانه، قال تعالى: ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ” إبراهيم: 34. وهذه النعم من الله تعالى أنعم بها على الإنسان سواءً كان فرداً أو دولة أو أمة من الأمم؛ لذا وجب على الإنسان العاقل وعلى الأمة العاقلة أن تُقابل هذه النعم بشكر الله عز وجل وعدم كفرانها وجحودها. ونحن اليوم نتدبَّر قوله تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إبراهيم: 7. وقد سئل أحد الصالحين عن الشكر، فقال: ألاَّ تتقوَّى بنعمة الله على معاصيه. وحقيقة الشكر هي الاعتراف بالنِّعمة للمُنعم، وألاَّ يصرفها في غير طاعته. والإنسان أمام نِعم الله تعالى يقف موقفين لا ثالث لهما؛ إمَّا الشكر وإمَّا الكفر والجحود، وقد قطع الله تعالى على نفسه الشريفة؛ لئن شكرتم نعمه أن يزيدكم من فضله، ولئن كفرتم وجحدتم نعمه – وذلك بمعصيته سبحانه – يتوعدكم بعقابه الشديد.
والقرآن العظيم قصَّ علينا قصص الشكر لله على نعمه والكفر بها؛ سواء على مستوى الأمم أو الأفراد، وبيَّن ذلك قوله سبحانه: ” لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ” سبأ: 15، 16. وها هو رجل تاجَرَ مع ربِّه سبحانه؛ فأخضع اللهُ له السحاب، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه؛ “أَنَّ رَجُلاً بَيْنَا هُوَ يَسْقِي زَرْعًا؛ إِذْ رَأَى غَيَابَةً بَرَهًا، فَسَمِعَ فِيهَا صَوْتًا: أَنِ اسْقِ أَرْضَ فُلاَنٍ. فَاتَّبَعَ الصَّوْتَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي سُمِّيَتْ، فَسَأَلَ صَاحِبَهَا: مَا عَمَلُكَ فِيهَا؟ قَالَ: إِنِّي أُعِيدُ فِيهَا ثُلُثًا، وَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثٍ، وَأَحْبِسُ لأَهْلِي ثُلُثًا” رواه الطبراني. تأمَّلوا في أثر شكر النعمة، لقد سخَّر الله تعالى لهذا الرجل السحاب وهو لا يعلم وسخر له الماء؛ بفضل شكر الله تعالى، والشكر بالعمل؛ أبلغ من الشكر بالقول، وفي كلٍّ خير، قال تعالى “اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ” سبأ: 13.
من كتاب منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري