وأذكركم بما علمتم من سر الإيمان بالدار الآخرة، وهو أن الذي لا يؤمن بها لا يمكنه أن يستقيم على منهج الله أبداً، أما الذي يؤمن باليوم الآخر وبالحساب والجزاء، فإنه يحاسب نفسه طول عمره، ويجتهد أن لا يخل أبداً بواجب يسقطه، أو يغشى محرماً يرتكبه؛ فلهذا من قوي إيمانه بلقاء الله، وبالوقوف بين يديه، وبالحساب والجزاء على عمله وكسبه، فهذا أهلٌ لأن يستقيم طول حياته، فلا يترك واجباً ولا يغشى محرماً. ومن تخلخلت عقيدته في هذا فهو يقوم ويقعد، يسمع ولا يسمع. وعرفنا فيما فتح الله علينا جميعاً: ما السر في هذه الحياة، ولماذا أوجد الله هذه الحياة بما فيها ؟ الجواب: أراد الله تعالى أن يُذكر ويُشكر فأوجد العوالم كلها من الإنس والجن والملائكة، وأوجد هذه الأكوان من أجل أن يُذكر ويُشكر، فعلة الحياة كلها أن يُذكر الله تعالى فيها ويُشكر. فمن هنا: من ترك ذكر الله ونسيه ولم يشكره على آلائه وإحسانه فهو بمثابة من نسف الكون كاملاً وخربه، فالذي لا يذكر الله ولا يشكره بمعنى لا يعبده، فالعبادة تدور على الذكر والشكر ولا تخرج عنه أبداً، فمن ترك عبادة الله فكأنما نسف الأكوان كلها؛ لأن الله ما خلقها إلا للذكر والشكر، فعطل ذلك، ومن هنا: يعذب أبداً فلا ينتهي عذابه؛ لأن الحياة إنما وجدت من أجل أن يعبد الله تعالى بها، فمن عطل هذه العبادة كان جزاؤه الخلود في النار. قد يقول القائل: كيف يعصي الله ثمانين سنة أو مائة وعشرين سنة ثم يعذب آلاف السنين؟ والجواب: ما عصى الله فقط، وإنما عطَّل الحياة كلها، إذ ما خلق الله ذلك إلا لعباده الذاكرين الشاكرين، فجريمة من ترك عبادة الله جريمة لا تقابل أبداً ولا يمكن أن تقدر، فلا تقل أنه ما صلى أو ما ذكر الله ثمانين سنة، وذلكم لأن علة هذه الحياة هي ذكر الله وشكره.
من كتاب منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري