تعد منطقة بني عزيز وهي مقر لدائرة جبلية تقع في الشمال الشرقي لولاية سطيف تجمعا سكانيا جميلا وهادئا يسود فيه انسجام ممتع يدفع إلى التفكير بأن العزلة ليس لها فقط جوانب سلبية. وإلى جانب ذلك،
فإن المستقبل يكمن هنا على حد تعبير أحد سكان الجهة في السياحة وعبر التنمية والتكفل بالتراث التاريخي والطبيعي.
الزائر لبني عزيز يشم تزاوج عبق التاريخ العريق مع نسمات الطبيعة العذراء في منطقة لا ينقصها إلا التفاتة جادة لتصبح قطبا سياحيا رائدا بامتياز.
موقع انطلاق إرهاصات الفاطميين

تحتضن دائرة بني عزيز المنطقة ذات الرصيد التاريخي والتي توجد على بعد أقل من 7 كلم من مدينتها الموقع الأثري لـ “إيقجان” الذي يضم العديد من الطبقات التي تشهد على حقب مختلفة عرفت مرور حضارات هامة نوميدية ورومانية وإسلامية وغيرها. وفي ثنايا هذه المنطقة انطلقت إرهاصات الدولة الفاطمية مع نهاية القرن التاسع الميلادي بعدما استفادت بدعم البربر الكتاميين الذين أسسوا القاهرة وشيدوا الأزهر الشريف كأحد أولى الجامعات في العالم.
“إيكجان”.. حاوية الحضارات
ويشير بوجمعة لحواسة الأستاذ في مادة الإنجليزية والدليل المفضل لاكتشاف خبابا وأسرار إيقجان القديمة لولعه الشديد بالتاريخ إلى الاكتشافات الأخيرة التي انبثقت عن حفريات طارئة أو سطحية ممثلة في مواد خزفية فاطمية مفرومة بدقة مع خط عربي جميل، إلى جانب قطع برونزية وتمثال بصورة ماسينيسا من جهة وحصان من الوجه الآخر.
وتظل قلعة إيقجان معلما أساسيا في تاريخ المغرب الأوسط إلى جانب قلعة بني حماد وقلاع بني عباس “تيهرت وطبنة وغرداية وقسنطينة وتلمسان التي تتشرف هذه السنة بتقديم كل هذه المواقع بمناسبة تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” كما يؤكد لحواسة الذي يرافع دوما من أجل “برنامج حقيقي للتنمية السياحية والثقافية” لهذه المنطقة. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج في منظور لحواسة بالدرجة الأولى إنشاء متحف بإمكانه أن يجمع في ثناياه القطع الثمينة التي ترقد حاليا بمتحف سطيف وعددا آخرا منها بمتحف سيرتا لقسنطينة، يقول نفس المغرم بتاريخ إيكجان متأسفا لعدم حصول جمعية للتاريخ والثقافة التي جرى تأسيسها سنة 2000 على الاعتماد الرسمي من قبل سلطات الولاية. وحينما يروي لحواسة حكاية إيكجان وشتى آثار ومعالم تاريخها النصع وكذا ظروف وملابسات ميلاد الخلافة الفاطمية، يقف المرء مندهشا أمام هذا العمق التاريخي الذي تحتفظ به المنطقة المبهرة ببانوراما كبرى من الجبال التي تنفتح شمالا وعلى بعد ثلاثين كيلومترا جوا على جيجل ومن الشرق على قسنطينة وميلة ومن الجنوب العلمة وجنوب غرب ولاية سطيف.
مغتربو المنطقة.. غربة جسد وصلة روح


ويعرف عن سكان هذه المنطقة الجبلية بامتياز احتفاظهم بتقاليد قديمة للهجرة التي دفعت الكثيرين خلال أزمنة غابرة إلى الرحيل نحو بلدان بعيدة من الجهة الأخرى للبحر، حيث سببت الهجرة تقلصا مستمرا للسكان الذين كانوا أكثر عددا سنة 1962 وقل عددهم اليوم.
ولا يزال أغلب هؤلاء المغتربين يحافظون على أواصر صلبة مع المنطقة التي شهدت ولادتهم، ومنها مدينة بني عزيز الجبلية المتفتحة والمضيافة رغم كل ما يفرضه الطابع المحافظ لمثل هذه المناطق المتقشفة.
الفلاحة.. معيشة السكان الأولى

وهنا يعيش الناس من منتوج فلاحة جبلية معيشية بالدرجة الأولى وسط محيط طبيعي ذي جمال آخاذ يستفيد من بيئة عذراء خالية من كل تلوث وحيث “وادي بورديم” يمتاز بمياهه الصافية في وقت تفتك فيه شبكات مياه الصرف الفوضوية مساحات فلاحية واعدة في أماكن أخرى.
مساعٍ لترقية السياحة مع خصوصية المنطقة

بالنسبة لنبلاء بني عزيز، فإن مدينتهم على الرغم من تواضع حالها وتوفرها منذ أزمنة بعيدة على متعلمين ميزوا كل الأجيال المتعاقبة، فإن المعضلة المطروحة تكمن في كيفية ترقية السياحة بغية ضمان المستقبل دونما إهدار للتقاليد المتوارثة عن رصانة وتحفظ أهلها.
غابة “ولبان”.. جنة بني عزيز الغناء

وبالفعل فإن الغابة المحاذية لـ “ولبان” -التي هي جنة غناء آمنة يقود إليها طريق جيد التعبيد -تستقبل كل نهاية أسبوع العديد من الزوار الذين يستمتعون بمناظر خلابة وبهواء نقي وراحة بال يفتقدونها في المناطق الحضرية الصاخبة. ويبدي سكان بني عزيز رغبة حقيقية في رؤية تطور السياحة المحلية التي يمكن أن يؤدي انتعاشها وتنميتها إلى إعادة إحياء تجارة مخلصة بالنسبة لمنطقة يظل همها الأساسي الأول هو خلق الشغل بعين المكان. فمنذ مدة طويلة اضطر الكثير من كبار بني عزيز إلى الهجرة إلى أماكن أخرى، وهو ما منعهم من رؤية أبنائهم يكبرون كما يؤكد بعضهم.
مشاريع تنموية في طور الإنجاز
ويرمي تجسيد مشروعين هامين يوجدان حاليا في طور الإنجاز إلى إعطاء “نفس جديد” للتشغيل ما يمكن من تثبيت السكان بالجهة. ويتعلق الأمر بتحويل مائي كبير يتطلب بناء نفق عملاق إلى جانب ورشة ازدواجية الطريق الرابط بين سطيف وجيجل “والذي سيبرر بالتأكيد برمجة مشاريع منشآت سياحية”، كما يقول نفس المسؤول، ويكتسي مشروع الطريق المدور في أذهان سكان بني عزيز أهمية بالغة لدى إنجازه، حيث سيفتح حسبهم وبدون شك آفاقا جديدة لتنمية هذه المدينة التي عانت كما يقولون مدة طويلة من “النسيان” رغم وزنها التاريخي والحضاري مع كل تقديرهم لجهود التنمية التي تمنحها اليوم طابعا جميلا، حيث لا مكان للهشاشة التي لا يلاحظها الزائر مطلقا.