كان العالَمُ الإنساني بعد عهد عيسى عليه السلام يُعاني طوال ستة قرون من انتهاك حقوق الإنسان وحرياته؛ حيث كان ظلام الجهل سائداً بين الناس، والظلم على أعلى مُستواه، إذْ بزغ فجرٌ جديد، وعهد جديد في تاريخ الإنسانية، وبدأت صفحة جديدة مشرقة من حياة الإنسانية في بداية القرن السابع الميلادي، وأشرقت الأرض بأضواء شمس الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فبعد عهد طويل من الظلام والظلم والطغيان واليأس والحرمان، بدأت الإنسانية تستعيد حقوقها المسلوبة، وحرياتها الضائعة؛ بسبب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، التي كانت كالصواعق المُحرِقة على رؤوس الطغاة والجبابرة، والأمطار والغيوم والنسائم المنعشة لأرض الإنسانية القاحلة، فاخضرَّ زرعُها، وأزهرَ ثمرُها، وتعطَّرت أجواء العالم الإنساني بالنكهات العاطرة، وساد الرخاء والأمن.
وهذا ما حدا ببعضِ المُنصفين؛ من المفكرين الغربيين؛ من أمثال “وِل ديورانت” إلى القول: “وإذا حَكَمْنا على العَظَمَة بما كان للعظيم من أثر في الناس؛ قلنا: إنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعبٍ ألقتْ به في دياجير الهمجية حرارةُ الجو، وجدبُ الصحراء، وقد نجح في هذا الغرض نجاحاً لم يُدانه فيه أيُّ مُصلِحٍ آخرَ في التاريخ كلِّه”. إنَّ المتأمل في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإنصاف يلحظ أنها نموذجا فريداً ومتكاملاً في تشريع حقوق الإنسان، وحمايتها، وحفظها، والاعتراف بأهميتها؛ بل كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم نفسُه نموذجاً فريداً يُحتذى به في هذا الشأن؛ حيث تجسَّدت فيه جميع معاني الإنسانية السامية في كافة جوانب حياته المباركة؛ فلم تُكذِّب أقوالَه أفعالُه، ولم يهضم الناسَ حقوقهم أبداً، ولم يعتد على حريات الآخرين؛ مسلمين وذِمِّيين ومعاهدين وغيرِهم، وحاشاه ذلك، وهو صاحب الخُلُق العظيم، والدِّين القويم. وكذا لم يعرف التاريخُ أُمَّةً اهتمت بحقوق الإنسان ورعتها حقَّ رعايتها مثل أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أهم مظاهر “حفظ حقوق الإنسان” في الإسلام، وهي كثيرة جداً، وأهمها أربعة أصول: تحرير الإنسان من الرِّق، ضمان حرية المعتقد، تحقيق العدالة بين الناس، حماية القيم الأخلاقية.