لقد ارتبطت التوبة في أذهان الكثيرين بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وكأنها لا تُناسبُ إلا العُصاة والمذنبين.. فإنَّ هذا تضييقٌ ليس بصحيح، فالتوبةُ ليستِ لمغفرة الذنوبِ فقط، بل هي بذاتها عبادةٌ جليلةٌ مُستقلةٌ، مطلوبةٌ من الجميع، الصالح والطالح، المحسن والمسيء، المذنب وغير المذنب، جميعهم مُطالبون بالتوبة، وبشكلٍ مُستمر، وفي كلِّ وقتٍ وحين.. تأمَّل قولَ الحقِّ جلَّ وعلا: ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” النور: 31. وقوله عليه الصلاة والسلام: “يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوبُ إلى الله في اليوم مائة مرة”، فإذا كان هذا حالُ سيدِ البشر، ومن غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما الذي ينبغي أن يكونَ عليه حالنا.. بل إن التوبة يا عباد الله من أحبِّ الأعمالِ الصالحةِ إلى اللهِ، ففي الحديث الصحيحِ: ” لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ علَى بَعِيرِهِ، قدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فلاةٍ “. فالتّوبةُ من أعظمِ العباداتِ وأحبِّها إلى الله جلَّ وعلا. فربنا العظيم الرحيم جلَّ جَلاله يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى سماءِهِ الدُّنيا نزولًا يليقُ بجلاله وكماله، فينادي: “هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مُستغفر فأغفر له؟.. وجاء في البخاري ومسلم: أن الله تبارك وتعالى: “يبسُطُ يدَهُ بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسُطُ يدَهُ بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها”. فربُّنا العفو الغفور يقول عن نفسه العلية: ” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ” طه: 82. وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ”. جدِّدوا يا عباد الله توبتكم وأبشروا بالقبول، فالله جلَّ وعلا يقول: ” إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ” النساء: 17. ويقول سبحانه وبحمده: ” فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” المائدة: 39. بل إنه جلَّ وعلا بكرمه وفضله ورحمته يقلب السيئات إلى حسنات.. تأملوا قول ربكم جل في علاه ” إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” الفرقان: 70.
الأستاذ احمد بن صالح