منبر الدعاة.. هذه العشر، فهل من مشمر؟

منبر الدعاة.. هذه العشر، فهل من مشمر؟

 

اقتضت حكمة الله جل جلاله ومشيئته أن كل مخلوق في هذه الحياة لا بد له من نهاية، وأن كل مقيم فيها لابد له من زوال وارتحال، قال ربنا سبحانه: ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ” الرحمن: 26، 27. فرمضان الذي استقبلناه بالأمس قد أوشك على الرحيل، وها نحن في أيامه الأخيرة، وفي العشر الأواخر منه. فإنها والله لنعمة كبرى أن تفضل الله علينا ومد في أعمارنا، حتى بلّغنا هذه العشرُ المباركة… وإن من تمام شكر هذه النعمة، أن نغتنمها بالأعمال الصالحة. هذه العشر جعلها الله الفرصةَ الأخيرةَ لمن أحب أن يغتنم من الخير والرحمة، فالطاعة فيها أعظمُ فضلا وأرفع قدرا وأكثرُ حمدا وأكرم أجرا، ذلك لأنها عشر التجليات والنفحات الربانية، عشرٌ تقال فيها العثرات، وتكفر السيئات، وتستجاب الدعوات، فكم من أناس فازوا بالرضوان وكُتبوا في ديوان أهل الفلاح والتقوى، ببركة ما قدموا وما بذلوا في هذه العَشرِ من جهد واجتهاد في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة.

فلذلك من الخير أن نحرِص جميعا على استغلال هذه العشر بأفضل ما يمكن أن تُستغلَّ فيه، حتى نرفعَ من حساب حسناتنا، ونضاعِفَ رصيدَنا من الأجر والثواب، ولا يكن حالنا فيها كما هو في غيرها. فالعاقل الذكي على كل خير حريصٌ قوي. لنحرص على أن يكون لنا فيها الحظُّ الأوفر من الأعمال الصالحة، التي تَرفع قدْرنا ومكانتنا عند العلي القدير، مُقتدين بنبي الله وخليله إمامِ المتقين وسيدِ العابدين، صلواتُ ربي وسلامه عليه. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن النّفير العام في بيته في العشر الأواخر، فيخُص تلك الليالي بمزيدٍ من الاجتهاد، إشهارا لخصائصها، وكذا حثا للأمة على طلب فضائلها وبركاتها. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إذا دخل العشرُ، أحيا الليلَ وأيقظ أهلَه وجدَّ وشدَّ المِئزَرَ”. هكذا كان عليه الصلاة والسلام، في العشر الأواخر، يتخلى عن الدنيا ويهجرُ ملذاتها وشهواتها، ويجتهدُ في العبادة وينشغل بالطاعة، وذلك بصالح الأعمال من صلاة وصدقة وتلاوة للقرآن، وجودٍ بأنواع الإحسان، والذكر والدعاء والاستزادة من الخير والهُدى.