منبر الدعاة.. حرث الدنيا وحرث الآخرة

منبر الدعاة.. حرث الدنيا وحرث الآخرة

إن الله تعالى جعل للدنيا حرثا وزرعا، وجعل للآخرة حرثا وغرسا؛ فمن حرث للدنيا أوتي منها ما كتب له، ولكنه يخسر الآخرة، ومن حرث للآخرة فاز بالآخرة ولم يفته ما قدر له من الدنيا، بل تأتيه دنياه وهي راغمة. ومن حسنة حرث الآخرة أنه حرث مضاعف مبارك، ويبقى أثره ونفعه لصاحبه؛ لأنه تعامل مع الله تعالى، بخلاف حرث الدنيا فإنه غير مبارك ولا مضاعف ولا يبقى لصاحبه؛ فهو زائل عنه بالموت، والدنيا بأسرها زائلة بالآخرة ” وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ” ” وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى “.

إن زيادة حرث الآخرة ومباركته ومضاعفته ثابت بالقرآن الكريم ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ” وفي آية أخرى ” وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا “. ومن فوائد إرادة حرث الآخرة أن الله تعالى يوفق صاحبه للازدياد منه، والتلذذ به، فكلما عمل عملا صالحا قاده إلى غيره، وهذا معنى من معاني الزيادة في قوله سبحانه ” نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ” أي: نفتح له أبوبا أخرى من الخير، وندله على أعمال صالحة ما كان يعملها، ونعينه على عملها. ولا يوفق لذلك إلا أصحاب الإرادة الجازمة أما من يتمنى ولا يعمل فهو غير مريد حقيقة.

وأما من أراد حرث الدنيا فإن الله تعالى لا يعطيه منها إلا ما قُدِّر له ” وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ” فأخبر سبحانه أنه مبخوس الحظ في الآخرة، ليس له فيها أي نصيب. وجاء هذا المعنى في قول الله تعالى ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ” وفي آية أخرى ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “.