في تجربة أخرى مع وزارة المجاهدين وذوي الحقوق في إخراج أعمال ملحمية لمناسبات وطنية، يراهن المخرج المسرحي أحمد رزاق على إنجاح العمل الفني التاريخي “روح الجزائر”، عبر لوحات كوريغرافية تترجم فترات من تاريخ الجزائر، من زمن نوميديا، ثم الوندال، والفتح الإسلامي، والاحتلال الفرنسي، ثم الاستقلال، فضلا عن مشاهد تمثيلية تعزّز هذا الغرض الدرامي، بمشاركة واسعة من الفنانين من كلّ ربوع الوطن.
وللوظيفة نفسها، يشارك مغنون في أداء الأشعار المقترحة، وبعض الأناشيد المعروفة، التي تم استغلالها منطقيا.
تجربة أحمد رزاق، هذه المرة، تضمّ جمالية أخرى، وذهب بعيدا في خياله؛ حيث سيستخدم تقنية “المابينغ” أو “الإسقاط الضوئي” داخل القاعة البيضاوية؛ بتشكيل ديكورات بصرية على جدرانها ضمن حيز 360 درجة، ليتمكّن الجميع من مشاهدة العرض، مع استعمال تقنيات الصوت الحديثة، وبجودة عالية جدا.
ويستند العمل على وقائع تاريخية، لكنه لا يغفل الخيال من أجل الفرجة والإبداع؛ خدمةً للجوانب الفنية لهذا المنجز الكبير.
ودعا المخرج لإنجاح هذا العرض وليكون الأضخم في تاريخ الجزائر الاحتفالي، قرابة 1000 شخص من خيرة الفنانين والتقنيين الجزائريين، و16 ممثلا عربيا، يمثلون مصر، وتونس، وليبيا، والأردن، وسلطنة عُمان، والبحرين، واليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وموريتانيا وفلسطين.
أما المشاركة الشرفية للأسماء الفنية العربية، فتتمثل في لوحة تعبّر عن عميق مشاعر حبّهم للجزائر، عنوانها “احكيلي على الجزائر”، سيقفون على خشبة القاعة البيضاوية لتقاسم أفراح الجزائر في عيد الثورة المجيد؛ إذ سنلمس من المشاركة العربية الشرفية في هذا الاحتفال الرسمي، نظرتهم إلى الجزائر بعيون المحبة، في مشهدية تمثيلية تعكس، بحق، مكانة الجزائر القديرة بين الأمم، حضورهم سيخلق روحا تضفي على “روح الجزائر” جماليات فنية أخرى.
من ناحية النصّ الذي أشرف عليه الشاعر إبراهيم صديقي، فإنّ فكرته تستند على “الروح التي تنبعث منذ الأزل”، ويتوارثها الناس جيلا بعد جيل.
والمقصود بالروح في هذا السياق الفنيّ والتاريخيّ، هو مجمل الصفات التي تلازم الخلود؛ كالإرادة، والعزيمة، والشجاعة، والمروءة، والتضحية، باعتبارها قيما لازمتْ تاريخَنا القديمَ والحديث، وكانت حاسمةً في محطّات الحفاظ على الحرية والسيادة، وملهمةً لجزائر ما بعد الاستقلال، ولأجيالها المتعاقبة.
ويتكئ العمل الاستعراضي على أربع مراحل تاريخية، هي الفترة النوميدية، والفتح الإسلامي، والغزو الفرنسي الاستعماري، واستقلال الجزائر.
وكُلّف كل من يوسف عابدي ومراد بوشهير بالجانب السينوغرافي للعرض، مع فريق كبير للتحضير لهذا الموعد الهام. وتم بناء ديكورات ثقيلة في صورة بواخر الأسطول الجزائري، ودبابات ومدافع، وإلى جانبهم فيَلة ضخمة، فضلا عن إكسسوارات خفيفة، كالملابس والبنادق وغيرها، والعمل متواصل بشكل مكثّف حتى يكون جاهزا في موعده.ووفقا ليوسف عابدي، فإنّ السينوغرافيا تسير في خط متواز ونظرةَ المخرج، مع استعمال النص كدعامة في تشييد الديكورات اللازمة؛ إذ يتناول نص “روح الجزائر” مراحل من تاريخ الجزائر؛ من نوميديا إلى الاستقلال. وفي كلّ مرحلة ينسجم النص مع الديكور والملابس وإكسسوارات أخرى، مع لمسة إبداع من لدن السينوغرافيين. ويندرج هذا العمل الفني التاريخي للمخرج أحمد رزاق ضمن مساعي وزارة المجاهدين وذوي الحقوق لصون الذاكرة الجماعية، والحفاظ على الإرث التاريخي الجزائري من خلال أعمال فنية تليق بمقام الثورة التحريرية المظفرة ببعديها الإنساني والتحرري.
ويأتي هذا العمل الجبار – تجسيدا لتوجهات الدولة على رأسها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في مسألة الحفاظ على الذاكرة الوطنية والأهمية القصوى التي يوليها لهذا الجانب، وليجسد مرة أخرى عظمة الشعب الجزائري الذي فجر أكبر ثورة في التاريخ المعاصر وتمسك أبنائه باستقلاله ووحدته.
وتعرف الملحمة التي ستعرض في القاعة البيضاوية بالجزائر العاصمة في الفاتح من نوفمبر القادم مشاركة أكثر من 700 فنان جزائري وأكثر من 200 تقني مع تسجيل مشاركة فنانين من ليبيا واليمن والسعودية والأردن ومصر وغيرها، وفقا للسيد رزاق.
كما عبر الممثل الليبي علي أحمد السالم عن اعتزازه بمشاركته في عمل ملحمي هام يجسد أعظم ثورة ملهمة في التاريخ المعاصر. أما الفنانة الجزائرية أمل وهبي فذكرت أن مشاركتها في هذا العمل بدور “الجزائر الأم” يعد بمثابة وسام شرف وعلامة فارقة ستضاف إلى مشوارها الفني.
ص\ ب