تشهد الساحة الثقافية على مدار السنة أنشطة متعددة تتمثل في عدد كبير من الملتقيات الخاصة بالقراءة وأخرى تهتم بالنشاط الأدبي الشعري والسردي على السواء، ناهيك عن الجلسات العابرة التي تشهدها القاعات بقصور الثقافة وقاعات الحفلات والأنشطة الثقافية وحتى دور الشباب، ولكن ما يبقى أثره في ذاكرتنا وما يترك انطباعا حسنا في نفوسنا قد يستمر لسنين قليلة جدا، فأغلب تلك الأنشطة سرعان ما تُنسى وينسى أثرها بعيد انتهائها بقليل، ولكن لو تأملنا قليلا في السر الكامن في نجاح أنشطة وتعلقنا بها وفشل أخرى ونسيانها بسرعة، لوجدنا أن هناك أسبابا كثيرة تلعب دورا أساسيا في ذلك يأتي على رأسها: الصدق ويقصد به صدق النوايا من إقامة النشاط والإيمان الصادق بالعمل يجعلنا نؤمن بفكرته ونجسدها على أرض الواقع فتلقى نجاحا مبهرا رغم ما يشوب النشاط من عراقيل ومحاولات تعطيل أو إصابته بنقائص قد تكون فجائية أو تتعمدها جهات تحاول التثبيط، فالأشياء الصادِقة فقط هي التي تَـسـتـمر وما بني على قاعدة صحيحة يجعلنا نشعر بالأمان وبالإعجاب والتقدير…
ومن مسيرة مشاركاتنا وحضورنا لعدد كبير من مثل هذه الأنشطة التي تعقد هنا وهناك، فإن أغلب الأنشطة تفقد ذلك الخيط الرفيع الذي يربطها بالمتلقي مما يجعلها تفقد استمراريتها.
فلقد شهدت الساحة الثقافية عددا كبيرا من المهرجانات الوطنية والدولية وخاصة خلال العقود الثلاث الأخيرة من القرن الماضي، إلا أنها توقفت وانقطعت وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن ملتقيات الفكر الإسلامي ومهرجان محمد العيد آل خليفة الشعري ومهرجان القصة القصيرة بقسنطينة والتي عقدت لعدة دورات لم تكتب لها الاستمرارية
والدوام بكل أسف، رغم النجاح الذي حظيت به، بينما بعضها الآخر عقد لأول وآخر مرة ليتوقف نهائيا كشأن المهرجان الأول للأنشودة الوطنية الذي عقد بعاصمة الصومام بجاية نهاية ثمانينيات القرن الماضي…أما بالنسبة لأنشطة الجمعيات الثقافية فالمثال الأبرز والذي يبقى علامة فارقة في الأنشطة الثقافية في بلدنا هو نشاط جمعية الجاحظية التي ماتت أنشطتها بوفاة مؤسسها المرحوم الطاهر وطار دون أن ننسى أن هناك عددا كبيرا من الجمعيات يعد بالمئات كان ينشط ولم يبقَ في ذاكرتنا منها إلا القليل…
واليوم ها هي الساحة الثقافية تعج بعدد كبير من الجمعيات والنوادي والتي تعد بالمئات بل بالآلاف لتعود الحركية الثقافية تحرك دواليبها هذه الجمعيات والنوادي رغم ما تتلقاه هذه الأخيرة من مصاعب تعترضها بداية من التأسيس إلى التنشيط..
وتبقى حياتنا الثقافية يشوبها الجفاف والفراغ الذي يحس به المتتبع للواقع الثقافي ذلك لأن الخارطة الثقافية لم تتضح معالمها بعد.
ورغم كل ذلك تتفرد مجموعة كبيرة من طلبة الجامعة الجزائرية بأنشطة تؤطرها جمعيات ونوادي نتوسم فيها خيرا إن شاء الله، وقد طغت على الساحة جمعيات أثبتت جدارتها في استقطاب عدد كبير من المثقفين والطلبة المتعطشين لمثل هذه الأنشطة، وتتمثل أنشطة هذه الجمعيات والنوادي الشبابية في أنشطة القراءة وتقديم إنتاجات المبدعين الشباب في جلسات البيع بالتوقيع، إضافة إلى أنشطة تفاعلية تساعد الأجيال على الاحتكاك والتناغم.
لكن معظم هذه الجمعيات الشبابية وحتى النوادي تبقى أعمالها رهينة أسماء تم استهلاكها وبقيت تبرز بين الحين والآخر في أوساط الشباب، إضافة إلى عشوائية التسيير والتنظيم، حيث لم نشهد نشاطا يستطيع أصحابه تطبيقه بحذافيره، فتبدأ السقطات ببرمجة اسم واحد خلال جلسات متتالية، بينما يبقى أولئك الذين تحملوا معاناة السفر والتخلي عن شؤونهم العائلية يملأون مقاعد القاعة دون أن يلتفت إليهم أحد، ناهيك عن بعض التصرفات العشوائية من بعض الضيوف الذين جاؤوا من أجل التجوال وأخذ الصور التذكارية دون أن يضيفوا للحاضرين شيئا… والغريب العجيب أن أغلب الأنشطة التي تهتم بعالم القراءة وتحمل في شعاراتها عناوين عريضة حول دور القراءة وكيفية تطويرها، يغيب عنها أهم شيء في العملية القرائية ألا وهو الكتاب
وبكل أسف أقولها، وخاصة عندما أرى أن أغلب المشاركين يقرأون من هواتفهم الذكية، وكأني بهذه الجمعيات تسيء للكتاب أكثر مما تخدمه.
هكذا تضيع ملتقياتنا وتضمحل وتذوب أنشطتها بين بروز أسماء استهلكتها الأحداث وتجاهل أسماء مغمورة تنتظر بشغف أن تتاح لها الفرصة للإنطلاق ويبقى النجاح أولا وأخيرا في ضبط برنامج محكم توزع المهام فيه على الأعضاء المنظمين يطبق بكل حزم وسن قوانين ومواد مضبوطة يسهر على تنفيذها المنظمون والضيوف على حد سواء، مع التركيز على تشبيب المشاركين بحضور أسماء قد تكون الخلف الصالح الذي قد يصنع الفارق بخلق واقع ثقافي ناجح يفيد ويستفيد ويطبق شعاراته التي سطرها بكل جرأة وحزم..
حركاتي لعمامرة