مقتطفات من السيرة النبوية.. النبي صلى الله عليه وسلم ومحنة اليتم

مقتطفات من السيرة النبوية.. النبي صلى الله عليه وسلم ومحنة اليتم

لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم تأثَّر بمسألة اليُتْم، وما أعنيه بالتأثُّر هنا هو التأثُّر المعروف من فاجعة فقدان الوالدين، والشعور بفقد السند، ويبدو هذا واضحًا من نصٍّ هامٍّ أَورَده ابن إسحاق؛ إذ يذكر “أن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرًا، فلمَّا تهيَّأ للرحيل وأجمع السير، هبَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عمِّ: إلى من تَكِلُني؟ لا أب لي ولا أم، فرقَّ له أبو طالب، وقال: والله لأخرجنَّ به معي، ولا يُفارقني ولا أفارقه أبدًا”، ومن هذا يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم تأثَّر كما يتأثَّر غيرُه بفقدان والديه. لكن وعلى الرغم من هذا الأثر الذي يبدو لغير المتبصِّر أثرًا سلبيًّا فإنه حمل في طيَّاته خيراتٍ كثيرةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالطفل اليتيم رغم تأثُّره السلبيِّ بفقدان أحد والديه أو كليهما في نواحٍ عدة، فإنه يتأثَّر تأثُّرًا إيجابيًّا في نواحٍ أخرى، فالناظر لتراجم المبدعين يجد أن كثيرًا منهم أيتام، فهناك علاقة ما بين اليُتْم والإبداع؛ فاليتيم يمتلك طاقة هائلة، ويميل للجدية، وهو شخص يمتاز بسَعة الأفق والخيال، ولديه حلم، وصاحب رسالة، وهو فوق هذا هادئ الطبع، شديد الحساسية، على ما يذهب علماء النفس. ومن ثم أثَّرت مسألة اليُتْم تأثيرًا إيجابيًّا في تشكيل شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتراه يتحدَّى الصعاب، ويتغلَّب عليها، ويستشعر أنه صاحب قضية، وتراه مهتمًّا بالفقراء والمستضعَفين، وقبل هؤلاء الأيتام الذين أوصى بهم، وحضَّ على رعايتهم. إن طريق النجاح قد تعتريه الصعابُ والعقبات، وهذا هو الطبيعي، لكن كما تخطَّى النبي صلى الله عليه وسلم الصعابَ، يمكن للمسلم تخطيها والوصولُ إلى القمة بالإصرار والعمل، وقبل هذا التوكُّل على الله عز وجل: ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ” الطلاق: 2، 3.