يقول الله تعالى: ” الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” النحل: 32، ويقول جل في علاه: “حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ” الزمر: 73. من أعظم صفات الفائزين برضا ربِّ العالمين، ودخولِ جنات النعيم: أنهم كانوا في حياتهم الدنيا طيِّبين، ولم يذكر الله سبحانه معمول ذلك الوصف “طيبين”؛ وذلك ليعمَّ، فمن قواعد التفسير أن “حذف المعمول يدلُّ على العموم”. فأهل الجنان إنما استحقُّوا الفوز والإنعام بسبب ما كانوا عليه من الطيبة في عقائدهم ومعاملاتهم، وأخلاقهم وأقوالهم، ومآكلهم ومشاربهم، وألبستهم وأنكحتهم؛ بل وفي خواطرهم وأفكارهم.
– كانوا طيبين في عقائدهم: فأهل الجنة كانوا على عقيدة التوحيد الطيبة الطاهرة، فلم يتلبَّسوا بنجاسة الشِّرك؛ بل عاشوا على الكلمة الطيبة كلمة الإخلاص “لا إله إلا الله” وتعايشوا معها، فكانت لهم منهجَ حياةٍ لم يتزحزحوا عنها قِيدَ أنملة، فهم قد علموا الغاية مِن خلقِهم “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ” الذاريات: 56،
– كانوا طيبين في أخلاقهم: لعلمِهم بعظم حُسْن الخُلُق وأنه من أقرب ما يوصل إلى الجنة من الطرق، فقد طابت أخلاقهم، وزَكَتْ أقوالهم، فلا يقولون فحشًا ولا هُجرًا، ولا يصدر منهم طعن ولا لعن، ممتثلين أمرَ ربِّهم: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” البقرة: 83؛ أي: كلِّموهم طيبًا، ولِينُوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف؛ كما قال الحسن البصري في قوله: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” البقرة: 83: فالحُسْن من القول: يأمُر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم ويعفو ويصفح، ويقول للناس حسنًا.
– كانوا طيبين في مآكلهم ومشاربهم وألبستهم: لقد كان أهل الجنة في دنياهم وَرِعِينَ عن أكل الحرام، نائين عن الخبائث، لا يأكلون إلا الطيِّب، ولا يشربون إلا الطيب، فذلك الحلال الذي أحلَّه الله لهم، كما قال جل في علاه: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ” المائدة: 4، وقد دلَّت هذه الآية بمفهومها على تحريم الخبائث، كما جاء مصرَّحًا به في قوله سبحانه: “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ” الأعراف: 157. امتثلوا أمر الله بالاكتفاء بالحلال: “وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ” المائدة: 88؛ أي: “كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسَّره من الأسباب، إذا كان حلالًا لا سرقة ولا غصبًا ولا غير ذلك من أنواع الأموال التي تؤخذ بغير حق.
– كانوا طيبين في أنكحتهم: لم يكتفِ الطيبون بطيب العقائد والأخلاق؛ بل طابت منهم حتى طرق قضاء الوطر والشهوات، فاجتنبوا الزنا والسفاح، وآثروا العفاف والمشروع من النكاح؛ لعلمهم بخطورة الفرج وأنه سبب الهلاك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكثرُ ما يُدخل الناسَ الجنةَ تقوى الله وحُسنُ الخُلُق، وأكثر ما يُدخل الناسَ النارَ الفمُ والفرج” رواه الترمذي.
من موقع الالوكة الإسلامي