التوكل على الله له مقامات عليَّة، يسطرها القرآن في مواضع، فقال جل ذكره في مقام الخصومة ” فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ” النمل: 79. وفي مقام الخطاب لأهل الإيمان قال تعالى: ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ” التوبة: 51. في مقام العبودية “وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” هود: 123. في مقام الدعوة: ” فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ” التوبة: 129. في مقام طلب الآخرة “فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” الشورى: 36. وفي مقام طلب الرزق” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” الطلاق: 2، 3.
وقد ذُكِرت هذه العبادة والمقام العظيم في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام كعبادة للمؤمن الحق الذي قلبُه معلَّق بربه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لو أنكم تتوكلونَ على اللهِ حقَّ توكُّلِهِ، لرزَقَكم كما يرزقُ الطيرَ؛ تغدو خِمَاصًا، وتروحُ بِطَانًا” الترمذي. هذا حق التوكل ألا يكون في قلبك معتمد إلا الله، فإن فعلت جعل الله لك الدنيا مركبًا ومطية إلى الدار الآخرة، فهذا طائر ضعيف لا يجلب رزقه، ويبحث عنه ربما طَوالَ يومه، ومع ذلك لا يروح إلا وقد أعطاه الله، فكيف بمخلوق كريم على الله، قد تعبَّد الله بما أعطاه من الدنيا واعتمد قلبه على مولاه؟ وفي حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: “فقِيلَ لِي: انْظُرْ إلى الأُفُقِ الآخَرِ، فإذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فقِيلَ لِي: هذِه أُمَّتُكَ ومعهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ”، ثم قال: “هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ، ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” البخاري ومسلم.