مفهوم العافية عند الصالحين

مفهوم العافية عند الصالحين

لا شكَّ إن نعمة العافية من نِعَمِ الله العظيمة، فهي من أعظم النعم بعد نعمة الإيمان والإسلام؛ وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يسأل ربَّه دائمًا العافية، ويوصي أصحابه الكرام رضي الله عنهم بسؤالها؛ فقال صلى الله عليه وسلم “اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية” الترمذي. والكثير منا اليوم يظن أن العافية فقط أن يعافيه الله من الأمراض والأسقام والعاهات، ولكن المفهوم الحقيقي لكلمة العافية، هي العافية الكاملة؛ التي تعني السلامة من الذنوب والمعاصي، والسلامة من الشرور والمكروه في الدنيا والآخرة. فالعافية هو أن تسأل الله تعالى أن يعافيك من الذنوب والمعاصي، وأن يعافيك من الأمراض والأسقام، هذا هو مفهوم العافية عند الصالحين من هذه الأمة. هذا سيدنا حاتم الأصم رحمه الله وهو من كبار الصالحين، الزاهد الواعظ الناطق بالحكمة، له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم، كان يُقال له: لقمان هذه الأمة، جاءه رجل يومًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل، وظن هذا الرجل أنه يقصد بالعافية السلامة من الأمراض والأسقام والعاهات، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، أليست الأيام كلها عافيةً؟! فقال له سيدنا حاتم الأصم مبينًا له المعنى الحقيقي للعافية: إن عافية يومي ألَّا أعصيَ الله فيه. فيوم أن نترك النظر إلى الحرام، وسماع الحرام، والتكلم بالحرام، يوم أن نبتعد عن التعامل بالحرام، ونترك الغش في البيع والشراء، يوم أن نترك ظلم الناس وأكل حقوقهم، فهذه هي العافية الحقيقية. فالبلاء لا ينحصر في الأمراض والعاهات، وإنما هو أوسع من ذلك، فكم يمر الناس على أهل المعاصي والذنوب، ولا يحمدون الله على العافية! فهذا الذي يتعامل بالربا، أو يأخذ الرُّشوة، أو يكسب من المحرمات، أو ينظر إلى المحرمات، فهؤلاء وغيرهم كثير مُبتلون، فالواجب علينا أن نحمَدَ الله تعالى أن عافانا مما ابتلاهم به. ويؤكد هذا المعنى ابن القيم رحمه الله فيقول: “وهل البلاء إلا في الذنوب والمعاصي، وهل العافية إلا في الطاعات، فأهل البلاء هم أهل المعصية وإن عُوفِيَت أبدانهم، وأهل العافية هم أهل الطاعة وإن مرِضت أبدانهم، فإذا رأيتم أهل البلاء – يعني أهل الذنوب والمعاصي – فاسألوا الله العافية”.

 

موقع إسلام أون لاين