مع عودة المساجد

  مع عودة المساجد

 

بعد طول فِراق ها قد شرعت بيوت الله أبوابها، وضجَّت المساجد بتكبيرات المصلين والمسبحين، وامتلأت الحناجر بآمين، وانتقلنا من الصلاة في بيوتنا إلى بيوت الله ورحابه، فالحمد لله على ما أنعم وتفضَّل، هو أهل الثناء والمجد، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، مثْنين بها عليك، قابليها. ها قد عدنا إلى المساجد بعد مُضي فترة ليست بالقصيرة من احترازات وتدابير وقائية لدفع جائحة كورونا، وما تبِعها من تعليق للجُمَع والجماعات، والأعمال ومنع التجمعات. نعم، تعود الحياة أجمل وأبهى، _وحقَّ للطيور أن تغادر أوكارها، والأرواح أن تجدد مسارها، _ليمضي الجميع معًا لمواصلة السير في عمارة الكون بطاعة الله وعبادته، وعمران المساجد حسًّا ومعنًى، والاستمرار في البناء والعطاء، وخدمة الدين والوطن،

الشكر والدعاء موصول لأبطال الأزمة، العاملين في مجال الصحة، فشكرًا للجميع، أطباءَ وعلماءً، ومتطوعين على ما قدَّموا وبذلوا من وقت وجهود _لتعود الحياة أجمل وأبهى بإذن الله. _مضت الفترة الماضية من الحجر والعزل والإجراءات الوقائية، لتهبنا المحن مِنحًا ودروسًا، فأبرزت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وعمَّقت التوكل على الله واليقين مع الأخذ بالأسباب: “اعقِلها وتوكَّل”، إضافة إلى بذل الذكر والدعاء، وكثرة الاستغفار. وأتت هذه الجائحة لتدرِّبنا على اتخاذ الإجراءات الوقائية، واستشعار المسؤولية من الجميع، مع القناعة بأن الوباء أمرٌ واقع وخطير، وتبقى المسؤولية الآن في يد المجتمع الذي يحتاج إلى مواصلة التحرز والاحتياط إلى أن يزول هذا الوباء تمامًا، وبالكلية بإذن الله وحوله وقوته.

ومما يبشِّر بالخير ويبعث التفاؤل أن نسبة التعافي والشفاء مرتفعة والوفيات قليلة، فضلًا من الله ومنَّة، ووعي الناس في ازدياد، وظهرت صور ومشاهد من الترابط والتعاون على البر والتقوى، وظهر دور العلم والعلماء والصحة والأطباء، وأثر ذلك في تجاوز الأزمة والصعوبات. لقد أصبح المجتمع اليوم أكثر وعيًا في تطبيق آليات التباعد الاجتماعي، فهي تجربة جديدة علينا جميعًا، وإن رفع الإجراءات تدريجيًّا لا يعني ترك الأخذ بوسائل الوقاية والسلامة، فعلى الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية في التعامل مع الجائحة، والالتزام بتعليمات الجهات المختصة، وأن يأخذوا بالأسباب، ويتبعوا سبل الوقاية بالتباعد الاجتماعي ولزوم البيوت، وعدم الخروج إلا للصلاة والعمل وما لا بد منه.

لقد جاء هذا البلاء ليصلح من سلوكياتنا الخاطئة في البذخ والإسراف والكسل والتواكل، جاء ليربطنا بالله إيمانًا وتوكُّلًا، جاء لنعرف قيمة المساجد، ونعمة القرب من الوالدين، وندرك قيمة صلة الرحم وحسن الجوار والأخوة في الله. إن هذه الجائحة على وشك الزوال – بإذن الله – ولقد تعلَّمنا منها الشيء الكثير، فالأهم الاستمرار على ما استفدناه خلالها، والأهم هو ما يفيدنا في ديننا وآخرتنا، وأن هذه الدنيا فانية، والآخرة هي دار القرار، ستنكشف الغمة ويزول الضر بإذن الله، والمسلم هو مَن فَهِمَ الرسالة، وسارع إلى التوبة والإنابة، وأعاد ترتيب حياته وأولوياته، والمؤمن من أدرك أن الأمان ليس في مال يكتنز ولا دنيا يصيبها، الأمان هو في رضا الله وحسن الخاتمة، والاستعداد للرحيل، فالابتلاءات غالبها للتهذيب لا للتعذيب.