مع سياسة شد الحزام والتخوف من الأسعار… الجزائريون يحيون رأس السنة الميلادية بقليل من الفرحة والكثير من الغصة

elmaouid

يعيش العالم اليوم على وقع اقتراب نهاية سنة 2017 وبداية سنة 2018 التي لا تفصلنا عنها سوى سويعات معدودة، ونخطو أولى خطواتنا نحو عام يأمل سكان المعمورة أن يكون أحسن من سابقه أو بالأحرى سابقيه

لأن السنوات الأخيرة شهدت الكثير من المآسي والآلام وحدثت فيها العديد من التوترات وأسالت الكثير من الدموع ونزفت فيها الكثير من الدماء والجراح وأزهقت العديد من الأرواح، وقد اعتاد سكان المعمورة توديع السنة تلوى الأخرى بشعور يشبه الفرح، بغض النظر عن واقع السنة المنصرمة وما حوته من أحداث كانت بإجماع حتى أكثر المتفائلين حزينة، وتحمل في طياتها الكثير من الألم حتى في أكثر بقاع الأرض تطورا ومعايشة للحياة العصرية، وأكثرها ديموقراطية على حد تعبير الساسة، ومع ذلك يستبشر سكان العالم بحلول العام الجديد متمنين أن تذهب السنة المنصرمة بأحزانها دون رجعة، وأن تكون السنة القادمة بلا دمعة.

 

وتمثل ليلة رأس السنة أو ليلة الميلاد كما يلقبها أولاد العم السام أو المسيحيون عموما، يوما مقدسا يترقبه الجميع، ويتم التحضير للاحتفال به وجعله ليلة من الليالي التي لا تنسى.

والاحتفال برأس السنة الميلادية ليس وليد الحياة المعاصرة ونتاج التحضر، بل هو تقليد سنوي اعتاد سكان المعمورة على إحيائه منذ غابر السنين، ولكل شعب من هذه الشعوب طريقته وطقوسه وحتى شعائره في الاحتفال بليلة ينتظر قدومها ويحسب لها ألف حساب.

 

تقاليد مثيرة للشعوب للاحتفال بليلة رأس السنة

ارتبطت مظاهر الاحتفال بليلة رأس السنة في العديد من الدول الأوروبية وكذا في بعض الأوساط لدى الشعوب العربية بشرب الخمر وعد عقارب الساعة، ولكن وفي ظل انتشار العولمة ظهرت العديد من التقاليد الأخرى التي اتصف البعض منها بالمجنون غير الطبيعي، فهناك شعوب تقوم بإلقاء الأثاث من النوافذ وأخرى تأكل 12 ثمرة عنب بالضبط، وواحدة تقوم بتكسير الأطباق على أبواب الجيران وتلك التي تقوم برش المياه على المارة في الشارع.

وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يقومون بكل هذه الأفعال غير الطبيعية، ويقول العارفون إن الجواب عن هذا يكون بحسب الدولة:

 

الإيطاليون كانوا يرمون أثاثهم من النوافذ للتخلص من المشاكل

إن الطعام هو الشيء المقدس لدى الإيطاليين، ولذا فإن من بداهة القول بأن موائد الاحتفالات الإيطالية ولا سيما ليلة رأس السنة تعد جيدا بمختلف أنواع الطعام.

ومائدة رأس السنة خاصة لديها بعض المأكولات التي لا بد وأن تشتمل عليها نظرا لبعض الاعتقادات السائدة وارتباطها ببعض المفاهيم التي تسيطر على أفكار الإيطاليين، وقد يستغرب البعض إن قلنا أن طبق العدس من الأطباق الرئيسية على المائدة الإيطالية ليلة الاحتفال برأس السنة، وهذا بسبب اعتقاد الإيطاليين أن العدس يجلب الرخاء المالي.

وتستمر حفلات السنة الجديدة في إيطاليا حتى مطلع الفجر، لأن تلك الليلة لا تعني فقط الاحتفاء بساعة الصفر وإنما من العادات الإيطالية الوطنية أن يقوموا بمشاهدة شروق شمس أول يوم من السنة الجديدة.

وهناك تقليد آخر من تقاليد الإيطاليين الغريبة وهو إلقاء الأثاث البالي من النوافذ في ليلة رأس السنة، وهم يقصدون بفعلهم ذاك أنهم يتخلصون من مشاكل السنة الماضية، وفي الوقت الذي يكون فيه الإيطاليون يتخلصون من مشاكلهم بتلك الطريقة، يصاب الناس بالعديد من الجروح وحتى الكسور.

لكن هذه العادات لم يعد لها وجود في إيطاليا لأن مواطنيها تخلصوا من هذه العادات منذ 60 سنة مضت ولم يعد لها وجود إلا في ذكرياتهم.

 

الإسبان والتبرك بحلاوة الشيكولاطة لحياة أفضل ومستقبل أسعد

يحتفل الإسبانيون على غرار كامل الشعوب الأوروبية بليلة رأس السنة حتى طلوع الفجر ويشاهدون بزوغ شمس أول يوم من أيام السنة الجديدة، وفي تلك الليلة الطويلة يحتفلون بتناول فطائر الشيكولاطة، ناهيك عن تناول المشروبات الكحولية ومظاهر الاحتفال الأخرى التي يودعون بها عامهم القديم ويستقبلون عامهم الجديد الذي يأملون أن يكون مليئا بالمسرات والأحداث السعيدة وأن تكون حياتهم بطعم ذوق الشيكولاطة التي يحبذها الإسبان.

 

المكسيكيون يأكلون 12 حبة عنب ولكل حبة شهرها

انتشرت عادة أكل 12 ثمرة عنب بالضبط في العديد من الدول، ولكنها تأصلت وأخذت شكلا أكبر وبعدا أوسع في دولة المكسيك خاصة.

ففي كل ساعة يقوم المكسيكيون بتناول ثمرة عنب، وكل حبة عنب ترمز لشهر من شهور السنة الميلادية الجديدة.

ويربط المكسيكيون طعم حبة العنب بتوقعاتهم وتنبؤاتهم الشهرية بمعنى أنهم ومع تذوق طعم كل ثمرة عنب على حده، فهم يتوقعون كيف سيكون الشهر المرتبط بكل منها، وهذه عادة متجذرة في المكسيك وهي طريقة من طرق التنبؤ والتكهن بالمستقبل مع ما تحويه هذه الطريقة من طرافة ودعابة.

 

الفنزويلي يحمل حقائبه ويطوف طول اليوم بالبيت

وفي فنزويلا الكثير من العادات المتجذرة و المتأصلة التي لا يستغني عنها الشعب الفنزويلي لاعتقاده بفاعليتها، فمثلا إذا أراد الفنزويلي السفر كثيرا في السنة القادمة، فعليه أن يحمل أمتعته ويتجول حول منزله ويجوب غرف بيته طوال يوم 31 ديسمبر.

وتستقبل السنة الجديدة لدى الشعب الفنزويلي بارتداء الملابس الداخلية ذات اللون الأصفر، وذلك لإعتقادهم أنها تجلب الحظ.

ويقوم الفنزويليون بكتابة أمانيهم وأحلامهم المستقبلية قبل ليلة السنة الجديدة، ومع اقتراب منتصف الليلة يجمعون تلك الأمنيات ويحرقونها!

 

في فرنسا الفوضى تطرد الأرواح والسنة تكون حسب الزائر الأول

في حين يجتمع الأوروبيون على حب الضوضاء والضجيج عند الاحتفال بليلة رأس السنة، إلا أن الفرنسيين يتعاملون مع ذلك اليوم وتلك الليلة بشكل خاص وطريقة مميزة قليلا.

فهناك اعتقاد قديم في فرنسا يقول بأن الضوضاء والفوضى تقوم بطرد الأرواح الشريرة بعيدا في تلك الليلة، لذا فهم يبالغون في الضوضاء والأصوات الصاخبة في تلك الليلة على أمل طرد الأرواح الشريرة عن حياتهم.

 كما يعتقد الفرنسيون أن أول شخص يدخل المنزل في أول يوم من السنة الجديدة، هو ما يرمز كيف ستكون السنة بالنسبة لأصحاب البيت، بمعنى أن الشخص الداخل هو من سيكون تيرمومتر أو فال الحياة المستقبلية حسب المعتقد الفرنسي.

وينبغي أن يكون زائر منتصف الليل الذي يقاس عليه مستقبل الحياة هو ذكر في المقام الأول، وهذا بسبب اعتقادهم أنه يجلب الثروة.

 

في بلدة بورتوريكو رمي المارة بالماء و رش المنزل بالسكر

إن شعب تلك البلدة الدافئة غالبا ما يحيون السنة الجديدة من خلال رمي المارة في الشارع بالماء، وبهذه الطريقة سيتخلصون من كل شيء سيء ويستعدون للأشياء الجيدة التي ستأتي مع السنة الجديدة.

أيضا فإن سكان هذه البلدة يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يعملون على جلب الحظ في السنة الجديدة، كما أن للماء رمزية خاصة لدى سكان هذه البلدة الهادئة وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال وجود الماء القوي في إحياء هذه الليلة فإضافة لما سبق هناك عادة أخرى متجذرة لديهم وهي رش المنزل والفناء بالسكر والماء!

 

في بولندا تحضير الخبز والتفاؤل به في ليلة الميلاد

إذا كان الكثير من سكان المعمورة يبالغون في الأكل والشرب في ليلة الميلاد، فإن في بولندا يركزون على خبز العيش الذي يعد واحدا من تقاليد ليلة رأس السنة المهمة في البلاد، وهذا لاعتقاد أهلها أنه مصدر الرخاء والرزق في السنة الجديدة.

 

في الفلبين الأطفال يقفزون والكبار يتنبؤون

على الأطفال في الفلبين أن يقوموا بالقفز 10 مرات في ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، إذا أرادوا أن يصبحوا طوالا في السنة الجديدة.

 كما يعتقد الفليبيون أن الموائد المليئة بشتى أنواع الفاكهة من مختلف الألوان وأيضا الملابس المطرزة، هي ما تجلب الرخاء والسعادة.

 

اليابانيون: تزيين للبيوت والضحك بأعلى صوت

من التقاليد أن يتم تزيين المنازل في اليابان بأكاليل الزهور في ليلة رأس السنة، وذلك لأنا تطرد الأرواح الشريرة وترمز للحظ والسعادة.

ومع حلول السنة الجديدة، يشرع اليابانيون في الضحك عاليا وهذا لإيمانهم أنه يجلب الحظ الجيد أيضا.

 

الدانمارك تكسير الصحون على أبواب البيوت

تتمتع الدانمارك بتقليد غريب ألا وهو إلقاء أطباق السنة القديمة على أبواب الجيران والأصدقاء، وإذا وجد الشخص في صباح أول يوم من السنة الجديدة المزيد من الأطباق المهشمة أمام باب شقته، يصبح سعيدا حيث أن حياته جيدة ولديه العديد من الأصدقاء.

 

الجزائريون يودعون السنة بالحفلات و تناول المسكرات

وإذا كان الغربيون يحتفلون بعيدهم السنوي بالطرق التي توافق معتقداتهم وعقائدهم، فإن العرب والجزائريين من ضمنهم يحتفلون بطرق شبيهة إن لم نقل مطابقة لما يحتفل به خلف البحار، وواقع أحداث هذه الليلة يتجدد كل سنة.

 

إفراط في الشرب وحوادث سير لا تحصى

يتجدد شبح الاحتفال برأس السنة الميلادية كل سنة، ليس للصخب الذي يسببه المحتفلون به فحسب وإنما أيضا إلى الكوارث البشرية التي يتسبب فيها السائقون في حالات متقدمة من السكر والتي غالبا ما تسفر عن قتلى، فمن المعروف أن حفلات نهاية السنة التي تقام في الفنادق والقاعات الخاصة وأحيانا في المنازل، تكون فيها أنواع المسكرات من كحول ومشروبات روحية حاضرة وتفعل فعلتها في المحتفلين الذين يذهبون من منطلق أن ختام السنة يقتضي توديعها بطريقة جنونية أين تصبح ماجنة أحيانا ونجد أن تلك المشروبات تفعل فعلتها في المحتفلين من الجنسين، أين يطلقون العنان لأنفسهم للمرح و”الجنون”، فيحول السائقون العاصمة بعد منتصف الليل إلى حلبة لتسابق السيارات المتهورة و الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات مما يسبب إزعاجا للناس.

 

رحلات منظمة وفرصة لأصحاب الوكالات للتنافس

يشتد التنافس في فترات العطل والمواسم السياحية بين منظمي الرحلات السياحية و أصحاب الوكالات للظفر بأكبر قدر ممكن من الزبائن الذين يطمحون بدورهم في الفوز برحلات جيدة وبأسعار تنافسية، و لأن السنة الميلادية 2018 ستطل هذه السنة في ظل ظروف اقتصادية أقل ما يقال عنها صعبة، وهو ما جعل الكثير من الجزائريين يحجمون عن السفر للخارج واستبداله بالسفر إلى عمق الجنوب للاستمتاع بسهرات الشاي على أنغام الموسيقى الصحراوية.

 

سهرات تحت ضوء القمر وترفيه موسيقي من وحي الصحراء

حتى وإن كان الإحتفال برأس السنة الميلادية لا يمت لديننا بصلة، إلا أن الاختلاف الذي يصنعه المحتفلون برأس السنة الميلادية في جنوب الصحراء هو إعطاء طابع الجنوب وروح الصحراء لهذه الحفلات من خلال طريقة انتقاء الموسيقى التي غالبا ما تكون ذات طابع “الديوان” أو “القناوة”، إضافة إلى الأطباق التي تكون تقليدية، حتى أن تنظيم الحفلات لا يكون في قاعات مغلقة وإنما وسط الصحراء، حيث يجلس المحتفلون حول حلقات من النيران إلى غاية بزوغ الفجر وذلك ضمن ديكور صحراوي يمزج بين أصالة المنطقة والجو الذي يصنعه المحتفلون. وغالبا ما يكون رواد هذه الحفلات من جيل الشباب الباحث دائما عن الجديد والمتشبع بروح المغامرة.

 

بين تاغيت وتيميمون “ريفيون” على الطريقة الجزائرية

وإن كان “الريفيون” على الطريقة الغربية يستهوي الكثير من الجزائريين، إلا أن هناك من لا يرى فيه شيئا مميزا سوى كونه فرصة للتغيير باعتباره عطلة يستفيد منها و يستغلها البعض للسفر، وجدها البعض الآخر فرصة لاكتشاف الموروث الحضاري الجزائري بتخصيص رحلات منظمة من طرف وكالات سياحية أو خواص ليس بدافع الاحتفال وإنما بدافع السياحة الشتوية التي تكون مذهلة في الشتاء خصوصا إذا ما كانت نحو أحد أجمل واحات الجزائر تيميمون أو تاغيت.

 

عائلات تحجز قاعات للحفلات ومنسقي أغاني لسهرات خاصة

هناك الكثير من العائلات لا تجد حرجا في كراء قاعات حفلات لهذه المناسبة، و تخصص مبالغ معتبرة من ميزانيتها لأجل استقدام منسق أغاني خاص وأحيانا يتعدى الأمر إلى فرق موسيقية بحد ذاتها من أجل العمل على الترفيه لهاته العائلات في مثل هذه المناسبة، وهنا حدثتنا سارة، أن عائلتها قد تكفلت بكراء قاعة حفلات بقيمة 10 ملايين سنتيم ومنسق أغاني بمبلغ 3 مليون سنتيم إضافة إلى متعهد حفلات يقوم على إعداد مختلف الأطباق لهذه السهرة إلى جانب “لابيش”، وأضافت أنهم أخرجوا شجرة الميلاد الخاصة بهم المزينة بطريقة جد جميلة مثلما عهدوا القيام به كل سنة. و رغم أن كل هذه المبالغ المدفوعة من أجل سهرة واحدة فقط، إلا أن هناك العديد من شاكلة عائلة سارة التي لا تتوانى في دفع مبالغ طائلة من أن تمضي سهرة على الطريقة الغربية.

 

“لابيش” و شجرة الأرز رمز ميلاد المسيح في ساحات باب الواد وبلكور

ما يلفت الانتباه أياما قبيل رأس السنة، هو اكتساح أشجار الأرز المرتبطة تاريخيا بالكنيسة المسيحية في احتفالاتها بميلاد المسيح عليه السلام، إلا أن الأمر الذي يطرح التساؤل،هو التواجد الكثيف لأشجار الميلاد في أسواق شعبية معروفة في العموم بعدم اهتمامها بإحياء مثل هذه المناسبات إلا أن ما أكده أحد الباعة أن أغلب المقتنين لهذه الأشجار من الطبقات الاجتماعية المتوسطة والراقية أحيانا التي تجد أسعار الأسواق الشعبية مناسبة لها، ولحلوى عيد الميلاد أيضا نصيب في هذه الأسواق من شكولاطة على أشكال حيوانات وأحذية إلى جانب أنواع متعددة من المكسرات التي تنتظر مقتنيها في رفوف مزينة ومتعددة.

 

الباحث في علم الاجتماع منير سواعد:

“الريفيون عادة دخيلة ولكنها ضاربة في وسط المجتمع”

و مهما اختلفت آراء المواطنين حول ظاهرة الاحتفال بليلة رأس السنة، إلا أن علماء الاجتماع كان لهم رأي خاص وهو ما قاله لنا المختص في علم الاجتماع منير سواعد “أجمع العارفون بخبايا المجتمع الجزائري على أن الاحتفال برأس السنة الميلادية من التقاليد الغربية التي انغرست في مجتمعنا و لم يعد في الإمكان التخلي عنها وحتى تجاهلها، خاصة لدى فئة المراهقين والشباب وبعض العائلات المتفتحة التي تعيش على الطريقة الغربية إن جاز التعبير، ولا يمكن اعتبار الاحتفال بالريفيون ضمن صميم تقاليدنا وأعرافنا، ومع ذلك فإن التخلص منه ليس بالأمر السهل، ولكن علينا التعقل وعدم المبالغة في الاحتفال الذي قد يدخلنا في أمور بعيدة عن قيمنا المجتمعية”.

 

الأستاذ والباحث في العلوم الإسلامية زكريا فاتح: “الاحتفال برأس السنة من التقليد المنهي عنه شرعا”

“إن من يزور كثيرا من بلاد المسلمين في هذه الأيام، وما أن تطأ قدماهُ أرضَهُا، ويتجولُ في شوارع مدنهِا، ويُراقب سلوك الأفراد في مجتمعاتها، يجد أن الصورة التي كانت منطبعة في ذهنهِ، قدِ انقلبت رأساً على عقب.

فما يراه من مظاهر الفرح والابتهاج، وما يلمسه في مختلِفِ فئات المجتمع من تأهبٍ واستعدادٍ لاستقبال عيد الميلاد المسيحي، والاحتفال برأس السنة الجديدة بل ومشاركة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة في مظاهـر الحفاوة هذه، حتى يكاد يكذبُ ما كان يسمعه عن بلاد المسلمين وتشبثِ شعوبهاِ بدينهمِ الحنيفِ.

إن هذا التقليدَ الكلِّي لما هو غربي، ناتجٌ عن نقصان الإيمان بالله أو انعدامه، مع ضياع العقيدةِ الصحيحةِ أو انعدامها، وانسلاخٌ من مستلزمات التميز الإسلامي.

ليس عجيبا ان سربت إلى المسلمين كثيرٌ من أنماط السلوك لدى المجتمعات الغربية، ولكن الأعجب تسرّب ما هو من شعائرهم الدينية، ومعتقداتهم النصرانية، ويتشربها المسلمون عن جهل أحياناً، وعن تساهل أحياناً أخرى.

ومن ذلك احتفالاتهم بأعيادهم، فعيد ميلاد المسـيح عليه السلام ويسمى (عيد الكريسماس) ولا يجوز لأحد من المسلمين مشاركة أهل الكتاب في الاحتفال بعيد الكريسماس (أول السنة الميلادية) ولا تهنئتهم بهذه المناسبة لأن العيد من جنس أعمالهم التي هي دينهم الخاص بهم، أو شعار دينهم الباطل، وقد نهينا عن موافقتهم في أعيادهم، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار. 

 

1) الكتاب:

فقول الله تعالى: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) الفرقان الآية 72.

قال مجاهد في تفسيرها: “إنها أعياد المشركين”، وكذلك قال مثله الربيع بن أنس، والقاضي أبو يعلى والضحاك.

وقال ابن سيرين: “الزور هو الشعانين، والشعانين: عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس”.

ووجه الدلالة هو أنه إذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده.

2) السنة:

فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر”. رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي على شرط مسلم.