عتبر فكرة تبادل الزيارات واللقاءات بين الأهل والأحباب والجيران خلال سهرات رمضان موروثا تقليديا جزائريا توارثته العائلات الجزائرية منذ سنين، وكان للزيارات طعمها الخاص يميزها الالتفاف على مائدة القهوة والشاي وتبادل أطراف الحديث والتسامر، وكانت هذه السمة من العادات والتقاليد التي تطبع حياة الجزائريين خلال الشهر الفضيل والتي أضحت في طريقها للزوال، خصوصا بعد أن قضت على ملامحها العشرية السوداء ومن ثم
تطور تكنولوجيا وسائل الاتصال ودخول وسائل الاتصال الاجتماعي كالفايسبوك وتويتر حياة الجزائريين، ناهيك عن عزوف شباب اليوم عن هذه اللقاءات وتفضيل الذهاب للمراكز التجارية لمواكبة الموضة والتحضير لعيد الفطر أو الاستراحة في محلات المرطبات أو الشاي التي تفتح أبوابها بعد الإفطار، بينما تفضل بعض العائلات الذهاب للشاطئ والجلوس أمامه للاسترخاء، في حين تواكب عائلات أخرى ما ينظمه ديوان الثقافة والإعلام من حفلات وسهرات فنية ويكتفي البعض بالجلوس بالبيت ومشاهدة ما تبثه القنوات التلفزيونية.
وفي هذا الصدد، قامت “الموعد اليومي” بجولة استطلاعية لرصد انطباعات المواطنين حول هذا الموضوع.
سهرات رمضان الحالية لا طعم ولا لون لها
تأسفت الحاجة “كريمة” التي وجدناها في مركز تجاري إلى ما آل له حال السهرات الرمضانية في هذا الوقت قائلة: “إن سهرات رمضان سالفا كانت لها نكهة، خاصة وأن العائلات الجزائرية كانت تواظب عليها في الشهر الفضيل”، مضيفة “كنا نستغل شهر رمضان لزيارة الأقارب والأحباب، الرجال يذهبون للتراويح، بينما نحن النساء كنا نبقى نتسامر مع لعبة البوقالات والفتيات ملتفات من حولنا يعقدن العقد وينتظرن ما يقوله الفال”، كما قالت لنا إن السهرات الآن لم يعد لها لا طعم ولا لون، خصوصا مع تطور تكنولوجيا الاتصال واهتمام الشباب بها، بحيث أصبح أغلب المواطنين يقضون سهراتهم بمشاهدة القنوات التلفزيونية أو الخروج لمحلات الشاي.
تبادل الزيارات خلال سهرات رمضان أصبح في خبر كان
وتؤكد الحاجة “رزيقة” نفس فكرة الحاجة “كريمة” التي قالت لنا إن ليالي رمضان فقدت نكهتها بسبب كثرة القنوات التلفزيونية وكثرة المسلسلات التي انعكست سلبا على سهرات رمضان التقليدية، وساهمت بشكل كبير في اندثارها، مضيفة أن القنوات التلفزيونية طغت على عقول الجزائريين من كلا الجنسين وباتوا يقضون سهرتهم بمشاهدة فيلم أو مسلسل، وفي نفس الاتجاه الفكري قال لنا السيد “فريد” الذي يبلغ من العمر 58 سنة إن التطور التكنولوجي أنسانا عاداتنا وتقاليدنا، موضحا أن البعض أضحى يفضل مشاهدة فيلم أو الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر واستخدام الفايسبوك لقضاء سهرته منعزلا بذلك عن المجتمع، منطويا داخل قوقعته الخاصة، كما قال إن معظم مقاهي النت بعد الإفطار تجدها مفتوحة والتي تستمر حتى ساعات الصباح الأولى وممتلئة بالزبائن الذين أتوا لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وعند سؤالنا لأحدهم ما إذا كان يتبادل الزيارات مع أقاربه وأحبابه، أجابنا أنه لا يتبادل الزيارات مع أحد بحجة أنه موظف هو وزوجته يعملان طوال النهار ولا يسهر أصلا، كما قال” أتعب في العمل بحكم طبيعة عملي الذي يحتم علي التعامل مع أشخاص عدة، إضافة إلى خروجي كل يوم للسوق لشراء مستلزمات البيت، وبعد الافطار أذهب لأداء صلاة التراويح وبعدها أجد نفسي متعبا، فأذهب إلى البيت وأتوجه مباشرة إلى السرير لأخلد للنوم وبعدها أنهض لأتسحر وأصلي الفجر”، وقال لنا أيضا إن زوجته عاملة ويبلغ منها التعب مبلغه، مضيفا أنه يتمنى إحياء هذه العادة، لكن الظروف تحول دون ذلك، كما أن الناس بدأوا ينسون هذه العادة الجميلة التي كانت تطبع ليالي رمضان وأصبحت في خبر كان.
“السهرة فرصة للخروج من المنزل والتجول في الأسواق”
هناك ممن استبدل عادة تبادل اللقاءات في السهرات الرمضانية وفضل التوجه للمراكز التجارية أو الاستراحة في محلات الشاي، ففي خضم جولتنا الاستطلاعية التي استهدفت عدة نقاط في شوارع العاصمة، لاحظنا توافدا معتبرا من المواطنين على محلات المرطبات والشاي التي باتت تختنق بالزبائن، كما لاحظنا توافدا هائلا من طرف المواطنين على المراكز التجارية، فعند دخولنا المركز التجاري حمزة وجدناه يعج بالمواطنين الذين أتوا من كل صوب وحدب لرؤية ما تعرضه المحلات، وهناك كانت لنا فرصة التحدث مع “مونيا” وهي شابة في العقد الثاني من عمرها والتي قالت “السهرة فرصة للخروج من المنزل والتجول في الأسواق والترويح عن النفس”، وعن موضوع تبادل الزيارات في رمضان، قالت إنها لا تحبذها وأنها تفضل الخروج من المنزل والتسوق مع العائلة، في حين تقول “سميرة” أم لطفلين إنها تستغل السهرة للتسوق لشراء الملابس لأطفالها والتحضير لعيد الفطر أو تدارك بعض الأشغال بحكم أنها امرأة عاملة وليس لديها الوقت للتسوق سوى ليلا، كما قالت لنا إنه يتعذر عليها توجيه دعوات أو استقبال ضيوف وذلك نتيجة لكثرة أشغالها المنزلية.