ما تزال العائلات الجزائرية وفية لمناسباتها الدينية، ومحتفظة بتلك العادات والتقاليد التي ورثتها عن أجدادها، لتصنع جوا عائليا احتفائيا مميزا، إلا أن البعض يجهل مغزى المناسبة ومرجعها التاريخي، فيكتفي فقط بجانب العادات والتقاليد المكتسبة.
عادات اندثرت وبقي التراز والكسكسي على العرش
يحتفل الجزائريون، غدا الثلاثاء، ببداية السنة الهجرية المصادفة للأول من محرم، وهو ما جعلنا نقف عند تقاليد العائلة الجزائرية ومدى تمسكها بعادات الاحتفال بهذه المناسبة في ظل تسارع وتيرة الحياة ومشاغلها التي غالبا ما تدفع العديد من هذه العائلات إلى التخلي عنها.
“التراز” عادة لصيقة بيوم محرم
السيدة “منيرة”، ربة بيت في الأربعينيات من عمرها قالت إنها لا تفوت أي فرصة أو مناسبة دينية للاحتفال على طريقة الأجداد،
وأضافت أن سبب خروجها في هذا الظرف كان لاقتناء “التراز” وهو خليط من المكسرات يضم اللوز والجوز والقسطل وفي الوقت الحاضر يضاف إليه الشوكولاطة والذي تعتبره ضروريا. وتقول منيرة، نقوم في ليلة محرم بوضع أصغر طفل في العائلة داخل قصعة أو “جفنة” ويفرغ عليه “التراز” لتكون أيامه حلوة مثله.
وأضافت أنه رغم حفاظها على هذه العادة إلا أنها متخوفة من زوالها خصوصا حينما نكون في عائلات لا توجد فيها “جدة” أو “كبيرة الدار” التي غالبا تكون سببا في نقل العادات القديمة للأجيال اللاحقة.
عادات قديمة بنكهات متنوعة
أما خالتي زوليخة، فأخذت تروي لنا العادات التي تُمارس إحياءً لرأس السنة الهجرية، وقالت كانت النساء في الماضي يذهبن إلى الحقول لقطف سبعة أنواع من الخضر من بسباس
وفجل وسبانخ و”قرنينة” وغيرها من الخضر والحشائش الموسمية ليتم إعداد “طبيخة” تضم الخضار السبعة، إضافة إلى تحضير سبعة أطباق مختلفة تكون محضرة من العجين واللحم وذبح الدجاج. فعلى سبيل المثال يتم إعداد
“المسمن” وأحيانا يتم طبخه مع اللفت “بوشلاغم” أو الملقبة باللفت التونسية
و”الشخشوخة” وكذا “البركوكس”
والتريدة كل حسب ذوقه ومقدرته، و أضافت خالتي زوليخة أنه غالبا ما يتم تفادي “البغرير” وذلك تجنبا أن تكون أيام السنة القادمة “مغرفة” مثل
“البغرير”، وينصح بتحضير “المسمن” و”الخفاف” لتكون السنة القادمة خفيفة؛ وفيما يتعلق بالكسكسي، فإنه يعتبر سيد الأطباق التقليدية المحضرة غير أنه يشترط في تحضيره عدم اقفال “الكسكاس” لكي لا يكون العام “مقفولا “.
وقالت ذات المتحدثة إن الفتيات والنساء كن يتوجهن إلى الحقول والمزارع أين يتواجد “الدوم” وهي نبتة تدخل في صناعة الأثاث و “القفف” التقليدية ويقمن بقطف “الجمار” وهو لب “الدوم” وقالت “باش العام الجديد كي يدخل يلقانا مدفيين ومكسيين كيما الدوم”. وتأسفت لكون العديد من العادات قد اندثرت وذلك لعدم اهتمام الفتيات بكل ما هو تقليدي.
دجاج عرب طبق المناسبة
ويلاحظ المتجول في أسواقنا الإقبال الكبير على اقتناء اللحوم البيضاء منها الدجاج، لذلك اقتربنا من أحد بائعي الدواجن لنسأله عن الأسعار، لكنه أكد لنا أنها لم ترتفع والكثير من الزبائن يقتنون “دجاج عرب”، بالإضافة إلى هذا فإن الكثير من العائلات احتفظت بلحوم العيد خصيصا لهذه المناسبة.
وأجمع العديد ممن التقيناهم على أنهم يحبذون الاحتفال بهذه المناسبة بدلا من تقليد الغرب فيما ينافي ديننا وعاداتنا، هذا ما صرح لنا به السيد محمد قائلا: “صحيح أحيانا نتمادى في الاحتفال بمثل هذه المناسبات بإتباع بعض الخرافات التي تركها لنا أجدادنا، ولكن إذا تأملنا الأمر وأعدنا التفكير فيه، نجده أحسن من أن نقلد الغرب فيما لا يفيد، والتي تدخل في خانة المحرمات وتقليد للنصارى كالاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، وذلك يعتبر تشبها بهم والله سبحانه وتعالى نهانا عن التشبه باليهود والنصارى، لذلك يجب علينا الاحتفال بطريقتنا الخاصة دون أن ننسى قيمنا.
أحسن شيء في هذا اليوم “العشاء العائلي”
أما السيد زهير، صحفي، فقال إنه لا يجد في الاحتفال بمحرم شيئا مميزا، فهو لا يقتصر سوى على الأكل واتباع الخرافات، أنا لا أنكر أنه مناسبة دينية مهمة في حياتنا إلا أنني لا أحب الاحتفال بالمناسبات الدينية وحتى غير الدينية باتباع التقاليد وأفضل تلاوة القرآن أو الذهاب إلى المسجد، وغير بعيد عن رأي زهير، أشار مهدي، طالب جامعي إلى أنه لا يكترث ألبتة بحضور إفراغ الحلوى فوق رأس أخيه الأصغر وأفضل ما يعتبره هاما هو العشاء العائلي الذي يكون دسما وذا نكهة مميزة لتجمّع كل أفراد العائلة حوله.
الاحتفال بأول محرم يعود لأزمنة بعيدة
ويقول الدكتور سعيد عيادي المختص في علم الاجتماع إن ما يلفت الانتباه فيما يتعلق باحتفالات الجزائريين، يعود بدراسة أساسية لمعطيات إنسانية وتاريخية، لأن الدول التي تعاقبت على الجزائر والتي كان نظامها السياسي يقوم على الدين الإسلامي، كانت تعتبر نفسها معنية بإحياء هذا العيد، وبالتالي فقد ترسم على مستوى الهيئات الرسمية، وكان إحياء العيد سنويا يتم وفق برنامج احتفالي على شكل مهرجان، وكانت تؤدى فيه مدائح وألحان ويطلق عليها “العشرونيات”، زيادة على أن الدولة الفاطمية التي أقيمت بالجزائر وامتدت إلى المغرب وتونس، كانت تعتبر الاحتفال بهذا العيد مقدسا كاحتفال عاشوراء، وكان يُتخذ من المساجد مركزا لدعوة الناس لإبداء احتفائهم بهذا اليوم لان الاحتفال به كان يمثل احتفالا بالسنة المدنية للمسلمين، فلم يكن قد سبق لهم الاحتفال بنظام المواقيت الغربية، ولهذا كان إحياء هذا اليوم يحمل الكثير من المؤشرات والدلالات، بالإضافة إلى ذلك كان ما يسمى تاريخيا في مجتمعنا بمؤسسة “التكية”، وهو النظام الاجتماعي الأصلي للزوايا “كان هو الذي قد شرع حكم الاحتفال بالمحرم، وكانوا يقيمون داخلها احتفالات وأذكار ومجالس تمتد أحيانا لغاية أسبوع، وكانوا يؤدون فيه عادات وتقاليد وطقوس كبقية الأعياد الدينية الأخرى بما يعني أنهم كانوا يعتمدون هذا العيد لإبراز ونشر معالم وخصائص انتمائهم الثقافي، ولهذا نلاحظ إلى يومنا هذا بخصوص الاحتفال بهذا العيد تداخل الأصل الاجتماعي والديني، ذلك أنه هناك من الجزائريين من يحتفلون به على أساس أنه جزء من منظومة الأعياد التي كانت تُحيا في الجزائر عبر قرون.
لمياء بن دعاس