نقف اليوم مع المكان الذي يُشغل بال الكثير من المسلمين في دنيا اليوم، مع المكان الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وقدّسه وعظمه وكرّمه، مع المكان الذي اهتم به نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، مع أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مع بيت المقدس، مع المسجد الأقصى، مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هذه الأرض المباركة التي بُنيت بعد الكعبة المشرفة بأربعين عامًا، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى، قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ” رواه البخاري. وما ذكـر الله سبحانه وتعالى مسجدًا في القـرآن الكريم إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وجعله شـرفًا لهذه الأمة أن أسري بنبينا محـمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحـرام إلى المسجد الأقصى، فقال تعالى ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”.
وإن يجري اليوم من ظلم لإخواننا في فلسطين، وما نراه عبر الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي من قتلٍ وتشريد، وأسْر وتعذيب، وهدم للبيوت، وانتهاك وتدنيس لمقدساتنا، يدفعنا لنقف اليوم مع بيت المقدس وأهميته ومكانته في شريعتنا الإسلامية. بيت المقدس هو البيت الذي كان سيدنا صلاح الدين الأيوبي يحمل همه، حتى أنه لم يكن يبتسم، وعندما قيل له يا أيها القائد لماذا لا نراك تبتسم؟ فيقول رحمه الله” كيف أبتسم والأقصى أسير؟”. إن بيت المقدس هو المكان الوحيد الذي اجتمع فيه الأنبياء جميعًا، وصلى بهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إمامًا، ومنه بدأ معراج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا. بل إن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن ” فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ ” فالذي يصلي في المسجد الأقصى سنة فكأنه صلى خَمْسَمِائَة سنة في تلك البقعة المشرفة.
ونهى نبينا صلى الله عليه وسلم أن تشدَّ الرحال إلا لثلاثة مساجد فقال صلى الله عليه وسلم ” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ” رواه البخاري. وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام رضي الله عنهم بأن بيت المقدس سيفتح، ولا تقوم الساعة حتى يفتح هذا البيت” رواه البخاري، إن قضية الأقصى لا تخص الفلسطينيين فقط، ولا تخص العرب فقط، بل هي تخص كل المسلمين، فلا بد على كل واحد منا أن يشعر بما يجري على أرض فلسطين، وأن يرفع يده بالدعاء إلى الله تعالى أن يهيأ لبيت المقدس من ينصره ويخلصه من المغتصبين. وإننا لنرى من وراء هذا الليل الذي طال ظلامه، فجرًا مشرقًا قريبًا قد توهجت أنواره، فالله تعالى يقول تعالى ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ “. فلا بد للواحد منا أن يغرس في القلوب التفاؤل بنصر الله، وأن نصره قريب.