مع الثورة القائمة في الأدوات الكهرومنزلية “الأواني الخشبية “..  حرفة المسيليين ومفخرتهم

elmaouid

لا يكاد يخلو بيت بولاية المسيلة من مهراس أو قصعة من مختلف الأحجام أو ملاعق خشبية، منها ما يزيد عمرها عن خمسة عقود يروي أصحابها أنهم اشتروها من عند فلان من المعاضيد أو آخر من السوامع وأولاد

دراج وغيرها.

 

النواحي الشرقية مصدر الأواني الخشبية

ويكفي لهؤلاء أن يستدلوا عن مصدر هذه الأواني حتى يفهم السائل أن غالبية حرفييها متمركزون بالنواحي الشرقية لولاية المسيلة، كونها قريبة من المناطق الغابية من ناحية ومناطق وجود أشجار الكاليتوس في التلال من ناحية أخرى. فسكان المناطق الغابية خصوصا المعاضيد منها (30 كلم شرق المسيلة) يشتهرون بصناعة المهراس الخشبي المستعمل أساسا في تحضير طبق (سلاطة المهراس) أو ما يعرف بـ “الزفيتي” في الوقت الحالي، غير أنه كان فيما سبق حسب الحاجة فاطمة قاطنة بحي العرقوب العتيق بعاصمة الولاية يستعمل لعديد الأغراض منها طحن مختلف التوابل والبن، بل وحتى تحضير اللحم المفروم في بعض الأحيان، غير أن ظهور “الروبو” قلص من دور المهراس.

والمهراس الخشبي المعروف لدى عامة الناس بالمسيلة بوصف الهاون يلجأ في صناعته فقط إلى استعمال خشب البلوط الأخضر كونه الوحيد الأصلح لهذا الغرض، كما يحكي أحمد ذو الستين عاما والذي كان يرافق الصناع بدءا من تحضير جذع الشجرة وانتهاء بصناعة المهراس. وقال في هذا الشأن:”عملية البحث قد تزيد عن اليوم في أغوار المناطق الغابية للمعاضيد أو المناطق المجاورة لها، وغالبا ما يتم الحصول فقط على جذع شجرة بلوط واحد مستوفي للمقاييس التي يتوجب توافرها في صناعة المهراس من بينها القطر والطول، حيث لا يجب أن يفوق الأول العشرين سنتمترا، فيما لا يجب أن يتجاوز الطول الخمسين سنتيمترا حتى يتم صناعة مهراس من النوعية المطلوبة”.

وبعد الحصول على جذع الشجرة يبدأ الصناع العمل من خلال تسوية السطح الخارجي للمهراس وجعله أملسا، فضلا عن قولبته حتى يكون أقرب من القرطاس كما يسمى بالعامية تكون الفوهة أكثر انفتاحا عن أسفل المهراس، ثم يشرع في حفره بأدوات خاصة من بينها القادوم.

وقد تستغرق، حسب نفس المصدر، صناعة المهراس الخشبي مدة تزيد عن الأسبوع كون نوعية الخشب المستعملة جد صلبة، ولا ينتهي، حسب نفس المصدر، العمل عند هذا الحد، بل يشرع الحرفي في تحضير صناعة المهراس، وهو عبارة عن قضيب خشبي يزيد طوله عن 70 سنتيمترا، أعلاه يزيد قطرا عن أسفله بمقياس 3 سنتيمترا ت تقريبا بشكل دائري. وهدف هذا العلو يتمثل حسب السيدة “ب. حليمة” في تمكين المرأة من عدم تجاوز المدى العلوي للمهراس كونها ترفعه إلى الأعلى لتطلقه إلى الأسفل، ولولا هذا العلو من المهراس لتجاوزت يدها هذا المدى ويسقط المهراس عند كل استعمال.

ويتحدى صناع هذا المهراس جميع الحرفيين بمن فيهم الصينيين المعروفين بالتقليد أن يتمكنوا من إيجاد بديل من مواد أخرى، فضلا عن إقحام التكنولوجيا في صناعته، ما يجعل الحرفيين في منأى عن المنافسة غير الشريفة التي جعلت سعر المهراس يرتفع، حيث قفز مما يقل عن 2000 دينار للوحدة خلال العام 1995 مثلا إلى 4 آلاف في الوقت الحالي، بل ومن النادر أن يوجد معروضا في المحلات التي عرفت بتسويقه رفقة العقاقير والنباتات والأعشاب الطبية.

وإذا كانت قصة المهراس كذلك، فإن القصعة الخشبية التي اشتهر بها بعض سكان نواحي منطقة السوامع تواجه في الوقت الراهن منافسة غير متوازنة نتيجة، حسب ما ذهب إليه السيد امحمد السامعي ذو الخمسين ربيعا عن استعمال نوعية من الخشب ليست صالحة كالصنوبر مثلا. فسرعان ما تتعرض القصعة المصنوعة منه للتشقق بعد شرائها بعدة أشهر، فيما يفترض أن تدوم مدة استعمال القصعة الخشبية، حسبه، عما يزيد عن قرن من الزمن.

وحسب سي امحمد، فإن القصعة الخشبية تصنع في أغلب الأحيان من شجر الكاليتوس وأحيانا أخرى من أشجار البلوط، لكن هذه الأخيرة بدأت تختفي لغياب الأشجار ذات الجذع الأوسع قطرا من ناحية وصعوبة تحويل هذا الخشب من ناحية أخرى. وأضاف بأن شجرة الكاليتوس هي الأكثر استعمالا في هذا الشأن كون جذعها أوسع وخشبها أسهل معالجة من باقي الأنواع الأخرى من الخشب.

ويستعمل لهذا الغرض عديد الأدوات لحفر القصعة الخشبية بعد قطع جذع الشجرة إلى دوائر يزيد قطرها عن المتر وارتفاعها عن العشرين سنتيمترا، ليشرع في حفرها بالقادوم من نوع خاص لا يستعمل في حفر المهراس الخشبي، حيث يتمكن بعض الحرفيين كما يشير إليه “بشير” من منطقة السوامع من صناعة القصعة في آجال لا تتعدى الأسبوع ليتم تسويقها بسعر يزيد عن 5 آلاف دينار أحيانا ويقل عن 3 آلاف دينار حسب حجم القصعة.

ويشير “بشير” إلى أنه يتم حاليا اللجوء إلى استعمال بعض وسائل الحفر الحديثة من بينها المسح الكهربائي لجعل القصعة ملساء وكذا الحافر الكهربائي للإسراع في العملية. يرى في هذا الاستعمال نوعا من التقدم الذي لا يمس بالحرفة بل يثمنها. للعلم فإن للقصعة الخشبية أنواع عديدة من بينها تلك التي تستعمل في الأغراض المنزلية وأخرى في تقديم الأطباق التقليدية منها الشخشوخة والكسكسي وغيرهما، حيث تختلف أسعارها حسب استعمالها.

 

الملاعق الخشبية.. من خشب البلوط إلى الخشب المستورد

وبالرغم من أن صناعة الملاعق الخشبية ليست حكرا على المسيلة بل هي منتشرة عبر تراب الوطن، غير أن بعض الحرفيين يجدون في صناعتها من الخشب المستورد نوعا من المتعة والتسلية، حيث يروي امحمد السامعي أن الملاعق الخشبية كانت تصنع سابقا بعموم تراب ولاية المسيلة من شجر البلوط والصنوبر بل وحتى العرعار، لكن تم التخلي عنها لعديد الأسباب من بينها تسويق نوعية أكثر جودة من الملاعق المصنوعة من الخامات الممتازة إضافة إلى قلة استعمالها.

وعرفت المسيلة بالإضافة إلى ذلك بصناعة الألواح المستعملة في تقطيع اللحوم والبصل وبعض الخضار، وهي منتشرة بكثرة كونها لا تحتاج في صناعتها إلى التخصص بقدر ما تحتاج إلى دراية بسيطة بأمور قطع الخشب من الغابة وقولبته وجعله أملس لتصبح صالحة للاستعمال. وتنتشر هذه الأدوات الخشبية عبر معظم مناطق ولاية المسيلة، غير أنها وبالمقارنة بتلك المصنوعة من البلاستيك والخشب المستورد غير معروفة بالرغم من نوعيتها الجيدة التي قد تسمح باستعمالها لمدة تزيد عن العشرين عاما.