قال تعالى ” إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ” الحجر: 95. التوكُّل على الله سببُ كفاية الله لعبده؛ قال تعالى ” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ” الطلاق: 3؛ أي: كافيه كلَّ أموره الدِّينيَّة والدنيويَّة، والتوكُّل هو اعتماد القلْب على الله في حصول المطلوب، ودفْع المكروه، مع الثِّقة به، وفعْل الأسباب المأذون فيها شرعًا. قال بعضُ السلف: جعل الله تعالى لكلِّ عمل جزاءً من جنسِه، وجعل جزاءَ التوكل عليه نفسَ كفايته لعبده؛ فقال ” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”، ولم يقل: نؤتِه كذا وكذا من الأجْر، كما قال في الأعمال؛ بل جعل نفسَه سبحانه كافيَ عبدِه المتوكِّلِ عليه، وحسبه وواقيه. فلو توكَّل العبدُ على ربِّه حقَّ التوكل بأنِ اعتمد بقلْبه على ربِّه اعتمادًا قويًّا كاملاً في تحصيل مصالحه، ودفْع مضارِّه، وقويت نفسُه، وحسُن ظنُّه بربِّه، حصلتْ له الكفاية، وأتمَّ الله له أحوالَه، وسدَّده في أقواله وأفعاله، وكفاه همَّه، وجَلاَ غمَّه، فهناك لا تسأل عن كلِّ أمر يتيسَّر، وصعْبٍ يسهل، وخطوبٍ تهون، وكروبٍ تزول، وأحوالٍ وحوائجَ تُقضى، وبركاتٍ تنزل، ونِقمٍ تُدفع، وشرورٍ تُرفع. ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:
أولاً: إذا عَلِم العبدُ أنَّ الله هو الكافي عبادَه رِزقًا ومعاشًا، وحفظًا وكلاءةً، ونصرًا وعزًّا، اكتفى بمعونته عمَّن سواه، وإذا كان كذلك، وَجَب ألاَّ يكون الرجاء إلا فيه، والرَّغبةُ إلا إليه، روى النسائيُّ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم “ومَن استكفى، كفاه الله عزَّ وجلَّ”، فمَن وقع في شِدَّة وضيق، فليطلبْ من الله الكفايةَ، فإنَّ الله يكفيه.
ثانيًا: مَن كان عليه دَينٌ فليتضرَّعْ إلى الله تعالى ليكفيَه همَّ الدَّين؛ روى الترمذيُّ في سُننه من حديث علي رضي الله عنه: أنَّ مُكاتبًا جاءه، فقال: إني قد عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألا أُعلِّمك كلماتٍ علَّمنيهنَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لو كان عليك مثلُ جَبل صِيرٍ دَينًا، أدَّاه الله عنك؟ قال: “قل: اللهمَّ اكْفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنني بفضلِك عمَّن سواك”.