لا معرفة أنفع للعبد من معرفة الله تعالى، ومعرفة شرعه. ولا فرح أعظم من الفرح بالله تعالى وبشرعه؛ لأن معرفة الله تعالى تدعو إلى تعظيمه، ومعرفة شرعه تقود إلى إتباعه. ولأن الفرح بالله تعالى يورث القلب طمأنينة، ويملؤه أمنًا، والفرح بشرعه يوجد للطاعة لذة عند العبد لا تعدلها لذائذ الدنيا ولو اجتمعت كلها له بلا منغص ولا مكدر، فكيف ولذائذ الدنيا لا تصفو لأحد أبدا، ولا بد أن تشوبها شوائب تفسدها.
إن الفرح بالله تعالى وبطاعته مقام عظيم لا يخلص إليه إلا الموفقون من عباد الله تعالى، ممن أراد سعادتهم في الدنيا والآخرة؛ فيفرح أحدهم بربوبية الله تعالى، وهو يرى من استكبر عنها. ويفرح بألوهيته، فلا يعبد معه غيره، وهو يرى من اتخذوا معبودات من دون الله تعالى، ويفرح بأسمائه وصفاته وبعلمه بها، وهو يرى من يجهلها ومن يحرفها ومن يلحد فيها. ويحتفي بتفصيلات الشريعة وأجزائها؛ فرحا بأنها من عند الله تعالى، وفرحا بأنه يعرف الطريق إلى مرضاة الله تعالى وعبادته بشرعه سبحانه لا بشرع غيره. وكل عظيم من عظماء الدنيا يفرح أتباعه بمجالسته ومحادثته، ويتنافسون في فهم قوله وإشارته، ويتسابقون إلى طاعته وإرضائه. فما ظننا برب العالمين حين بين لنا مراده بكتاب أنزله علينا، ورسول أرسله إلينا، وشرع فصله لنا؟! فلا شك أن كل فرح يقصر دون الفرح بربنا سبحانه وتعالى وبشرعه المفصل لنا ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ” يونس: 57، 58.
فالفضل هو هداية الله تعالى التي في القرآن، والرحمة هي التوفيق إلى إتباع الشريعة التي هي الرحمة في الدنيا والآخرة. فجعل الفرح بالإيمان والقرآن خيرا من الفرح بما يجمع الناس من أعراض الدنيا . ولنتأمل فرح النبي صلى الله عليه وسلم بتنزل القرآن وما فيه من الآيات والأحكام في قوله عليه الصلاة والسلام في إحدى السور: “لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ” ثُمَّ قَرَأَ: ” إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ” الفتح: 1. رواه البخاري.