تناغم رهيب بين لوحات، الفنان كمال نور، المعبرّة عن لؤلؤة البحر المتوسط “الجزائر العاصمة”، والمتحف العمومي الوطني البحري الحاضن لها في معرض “همسات البحر الأبيض المتوسط”، كيف لا وقد طغى على هذه اللوحات اللون الأزرق الذي يرمز إلى اليمّ الذي يحتضن المتحف بعضا من كنوزه.
اختار الفنان كمال نور، أن يرسم لوحات كبيرة الحجم، ربما لأنه يريد أن يعطي لكلّ موضوع، حقه الكامل، أو أن يمنح حرية أكبر وخيالا أوسع لكلّ ما يريد رسمه. وكان الفنان قد صرّح حول هذا الموضوع فقال “أرسم لوحات ذات الحجم الكبير، لأنّها تشعرني بالراحة، وبالأخصّ بالحرية، أحسّ بنفسي وأنّه يمكنني أن أفعل ما أشاء، أنا حرّ في تصرفاتي، يمكن أن أتحرّك يمينا يسارا أعلى اللوحة وأسفلها، أستطيع التخيّل كما أريد، بالتالي اللوحات ذات الحجم الكبير تساعدني على وضع كلّ ما هو في مخيّلتي عليها، ألوانا وأشكالا. كما أشعر أنّ اللوحات الصغيرة تميل إلى أن تكون حرفية أكثر من فنية، وأنا فنان ولست حرفيا”. وضع الفنان أمام كلّ لوحة من لوحاته، ورقة تعريفية بالعمل وبموضوعه، ليسهّل مهمة زائر المعرض ويدفع به دفعا إلى ولوج عالمه الخاص. وهكذا رسم الفنان مسجد سيدي عبد الله بالقصبة واستعمل فيه الألوان الباردة، مبنيا كذلك بعض مباني القصبة وأزقتها. وكتب إنّ الذي بناه هو صفر عبد الله، وقد كان من أكبر قادة الطائفة البحرية العثمانية في فترة حكم الإخوة بربروس، ورواية أخرى تقول إنّه كان عبدا مسيحيا ثم أسلم وعُتق. وكتب كمال نور عن لوحته “خليج الجزائر”، إنّ للمسجد الجديد مظهر مهيب وكأنّه حارس روحي للبحر الأبيض المتوسط الذي يمتدّ إلى ما لا نهاية، في حين تتناغم الأمواج مع اللوحة وترقص معها رقصة أبدية ثمرتها زبد يبدو أن يُغني. لوحة أخرى عن خليج بحر الجزائر، الذي قال عنه، الأميرال أرنست موشيه، إنه لا يمكن مقارنة جماله إلاّ بجمال خليج ريو دي جانيرو البرازيلي. يبتدئ انطلاقا من رأس مايتفو بالبرج البحري إلى رأس كاشين ببينام، كما أن شكله شبه دائري يقترب من شكل جزيرة. وقال الفنان إنّ شارع سيدي محمد الشريف المعروف أيضا بجامع محمد الشريف يقع في تقاطع شوارع كليبر وأنفرفيل والنخيل القديم بالقصبة. وقد توفي الرجل الصالح في فترة الباشا محمد حسن، بالضبط عام حملة شارل الخامس الكارثية. كما اعتمد الفنان في رسومه، على الواقعية الجذّابة، لتظهر لمسته الفنية بشكل واضح. علاوة على حبّه لرسم التفاصيل والمزج بين الألوان الحارة والباردة، متبعا في ذلك حدسه، ليقدّم كمال نور المحبّ للرسم على المباشر، لوحات في غاية الدقة والجمال والواقعية. بالمقابل، كتب الفنان التشكيلي كمال نور كلمات على صفحته في الفاسيبوك عن معرضه “همسات البحر الأبيض المتوسط”، فقال إنّ لوحاته هذه الآسرة والمخصّصة لمدينة الجزائر التي اعتبرها لؤلؤة المتوسّط، تنقل زائر المعرض إلى جوّ ساحر وعبارة عن اندماج شعري مستوحى من جزئيات تميّز هذه المنطقة الساحلية والغارقة في التاريخ. وأضاف التشكيلي أن “همسات البحر الأبيض المتوسطس تتجلى في كلّ لمسة فرشاة تستحضر جلالة خليج الجزائر، والأناقة الخالدة للأميرالية، والحياة الصاخبة لموانئ الجزائر، وشرشال، وسيدي فرج، ولامادراغ (عين بينان)، مؤكدا أن كل عمل من أعماله هو دعوة لاستكشاف جوهر هذه الأماكن الغارقة في التاريخ، حيث يمتزج البحر والتراث بشكل متناغم.
ف.ق