معرض “في انتظار عمر قتلاتو” في بيويورك… رؤية عميقة على الجزائر المعاصرة

معرض “في انتظار عمر قتلاتو” في بيويورك… رؤية عميقة على الجزائر المعاصرة

يقدم معرض “في انتظار عمر قتلاتو: الفن المعاصر من الجزائر وشتاتها”، المُقام حاليًا في جاليري والاتش للفنون بجامعة كولومبيا، رؤية عميقة على الجزائر المعاصرة، ولاسيما الجهود الجماعية التي بذلتها البلد لتحديد هويتها ما بعد الاستعمار والفن الجمالي بعد سنوات من الاستعمار الفرنسي، وصعود الأصولية الإسلامية والحرب الأهلية بين الإسلاميين والحكومة.

يوضح المعرض بإيجاز موضوعًا دقيقًا ومعقدًا على الرغم من بعض أوجه القصور الفنية والجمالية للأعمال الفنية. ويعرض أيضًا أعمال مجموعة واسعة من الفنانين، شهد بعضهم ميلاد الجزائر الحديث كدولة تحررت في الخمسينيات، فيما ولد آخرون على أعتاب “العقد الأسود” في الجزائر في التسعينيات.

ويساعد معرض “في انتظار عمر قتلاتو” على وضع هذا التاريخ والرواية المعقدة من خلال أمثلة متباينة من الأعمال الفنية لفنانين يعيشون في الجزائر وآخرين في الشتات. تُصوِّر طبيعة المعرض التي تشبه الدراسة الاستقصائية بنجاح مختلف التجارب والاعتبارات والأسئلة التي تشغل حاليًا بال جيل من الفنانين الذين شهدوا فترة إنعدام الاستقرار السياسي في الثمانينيات والتسعينيات. وعلى الرغم من افتقار الأعمال الفنية لوجود جمالية مشتركة، يعرض المعرض المظاهر اللانهائية للأفكار الفنية وردود الفعل على حروب البلد والاضطرابات الاجتماعية لفنانين من خلفيات وأعمار مختلفة.

يبدو عنوان المعرض كإشارة إلى حاجة الجزائريين إلى التفكير في تطور الحرية والفن وغيرها، في عصر ما بعد الاستعمار الذي ما زال يعاني بشدة من النفوذ الثقافي الفرنسي ويتأثر بشكل جماعي بتاريخ الاحتلال الفرنسي الذي ما زالوا يعالجون آثاره.

وبحسب ألكساندر ألبيرو، أستاذ تاريخ الفن في كلية بارنارد في كولومبيا الذي كتب مقدمة موجزة في كتالوغ المعرض، يعتبر هذا أول مسح للفن الجزائري في الولايات المتحدة. ويبدو هذا ادعاءًا معقولا: فنادرًا ما يتم عرض أعمال فنانين جزائريين في مؤسسات أميركية في عروض جماعية، والعلاقات الثقافية والأكاديمية بين الولايات المتحدة والجزائر محدودة.

حتى في الشرق الأوسط، نادرًا ما يتم عرض أعمال لفنانين جزائريين. دخل بعض الفنانين الجزائريين المعاصرين، مثل محمد خدّة ومحمد إيسياخم وباية محي الدين، كاتالوغ الفن العربي الحديث، لكن يمكن القول إن بعض الفنانين الجزائريين المعاصرين معروفون بشكل عام ويعرضون أعمالهم لمجرد أنهم يعيشون خارج البلد، وبالتالي يرتبطون بغيرهم من الفنانين والقيمين وجامعي الأعمال الفنية، مثل الفنانين جمال طاطاح وقادر عطية، وكلاهما يعيش ويعرض أعماله في فرنسا.

وكذلك الحال مع عمل (حطام السفينة)، وهو فيلم أنتجه منير قوري عام 2016. يعرض الفيلم شابين، أحدهما يعزف العود بينما يرقص الثاني على الموسيقى على متن قارب لا يتحرك ولا يرسو في حركات أقرب إلى موسيقى التكنو المعاصرة. يُعد انفصال حركات الرقص المعاصرة عن صوت حزن العود بمثابة استعارة للشباب الجزائري الذين يتعين عليهم مواجهة تاريخهم وحاضرهم، في رقصة تعتبر عن الحياة اليومية وسط سؤال بخصوص عمّا سيأخذهم المستقبل إليه.

ويجسّد عمل أمينة منيا “الأقحوان” سلسلة مستمرة من الصور الفوتوغرافية للأحجار التذكارية التي أقيمت على طول ساحل الجزائر لتدشين بناء المباني العامة والطرق السريعة، أو كآثار لضحايا الحرب. وتمثل هذه السلسلة بحثًا في مفهوم الديمقراطية من خلال الأعمال الفنية ذاتها التي فرضت على الجمهور دون تفكير الجمهور الذي سيشاهدها، أو التأثير الجمالي لعمل معين على الآخرين. فما هو الفن العام إذا ما قررته حكومة تخدم نفسها بنفسها؟

وتتحدث أعمال أخرى في المعرض بمزيد من الدقة عن سياسة ما بعد الاستعمار، وعن صعوبة فصل الماضي المعقد عن الحاضر الواعد.

ويجمع التركيب الفوتوغرافي لفاطمة شفاء بين الصور العائلية القديمة ومطبوعات للالّة فاطمة نسومر، البطلة التي تعرف أحيانًا باسم جان دارك الجزائر التي جاءت لترمز للمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر. يعزف العمل على ارتباك الفنانة الشخصي وهي طفلة بخصوص لوحة لجان دارك في منزل عائلتها، والتي مزجتها مع نسومر.

ويعترف عمل شفاء بالاحترام المشترك للفرنسيين والجزائريين لأولئك الذين يقاتلون قوات الاحتلال. لا يسامح هذا العمل الاحتلال الفرنسي لوطن الفنانة، لكنه يقدم حجة مقنعة للأسئلة التي تنهي لورينز مقالتها بها: هل يمكن أن يعيق الحنين إلى تاريخ الفرد القدرة على فهم حاضر المرء؟ وهل بإمكان المشاهدين التعرف على الأسباب الإثنية الثقافية التي دفعت الفن الجزائري إلى أن يكون ما هو عليه اليوم؟

ويستمر معرض “في إنتظار عمر قتلاتو: الفن المعاصر من الجزائر وشتاتها” حتى 15 مارس المقبل.

ب/ص