يجمع أغلب زوار معرض “روح القصبة” المقام بمركز النشاطات “مصطفى كاتب” بالعاصمة، أنّ لوحاته زيتية تشكيلية لا غبار عليها إلى درجة أن بعض الفنانين التشكيليين أنفسهم، ظنّوا ذلك.
وقالوا إن تلك الأعمال مرسومة بالريشة والألوان، ليتفاجأ الجميع بردّ صاحبتي المعرض بأن كل ما فيه هو صور فوتوغرافية صافية. ورغم ذلك تظل المعنيتان تحلفان باليمين المغلّظة في كل دخلة زوار، “يا جماعة الخير، هذه صور وليست لوحات…”.
وظن الجميع أن لوحات القصبة رُسمت باليد من فرط جمالها وألوانها، التي تبدو زيتية أحيانا، ومائية في أحيان أخرى. كما تبدو القصبة جميلة بهية بصورتها التي كانت عليها منذ قرون خلت؛ أي مثلما تظهر في المعارض التشكيلية ولوحات المستشرقين، ليُصدم الجميع بأن الصور التُقطت منذ شهور أو سنوات قليلة فقط، توحي بالجمال، والنظافة، والحياة التي تدبّ في دروبها وأزقتها.
صاحبتا المعرض وهما سيدتان راقيتان زاولتا مهنة التعليم، ومارستا الترحال إلى كل أماكن الجزائر، فقررتا أن تثمّنا هذه الرحلات بالصورة، وتقرّبا للجزائري جمال تراث بلده القارة، الذي يبدو أن الكثيرين يجهلون عنه الكثير.
وقالت السيدة فريدة فراعي إن المعرض لم يركز فقط على قصبة الجزائر رغم أنها أخذت حصة الأسد، ولكن تم عرض الكثير من قصبات الجزائر، ومن المعالم الأثرية عبر 28 صورة؛ إحياءً لشهر التراث.
وأجمعت الفنانتان على أن كل الصور تحمل اللمسة الفنية الخاصة مع بعض التعديلات التي تتطلبها الصورة، وأغلبها تقنية فنية؛ لذلك فإن كل من يرى الصورة يظن أنها لوحة تشكيلية، وهو الهدف المنشود. وتضيف إحداهما: “إذا وضعنا الصورة كما هي، فكأننا لم نفعل شيئا”.
وقالت السيدة فريدة إن العمل كان بمثابة بناء وترميم لقصبة الجزائر. وأغلب ما عُرض كان عنها؛ لذلك خُصص عنوان المعرض لها؛ أي لروح القصبة.
وبناء هذا الجانب الفني، حسبها، المراد منه في الأساس، هو مشاركة الجمهور تذوّق هذا الجمال وهذا التراث العريق، عوض البكاء على الأطلال، والقول إن القصبة تضيع وتتلاشى، ثم اعتبار هذه القصبة كالمرأة الشابة الحسناء التي يتقدّم العمر بها، لكنها لا تفقد ملامحها الجميلة.
وقالت الفنانتان إنهما حرصتا على ألا يرى الجمهور في المعرض إلا الجانب الممتع والإيجابي في تراثنا المعماري الأصيل. وأوضحتا أنهما اتفقتا في أكثر من معرض سبق، على أن تُخرجا القصبة من القصبة؛ أي من حدودها وأسوارها وموقعها الجغرافي غير المعلوم عند من لا يعرفها أو من لا يسكن فيها، ليراها بشكل آخر أجمل.
وهنا ذكرت إحداهما أنهما نظمتا ذات مرة، معرضا بعنوان “الفن والصحة”، وقامتا بالعرض في مخبر طبي بباب الزوار، لينبهر الزوار المرضى والأطباء بالصور، وينسوا المرض، ويستمتعوا بالصور. ومعرض آخر بعنوان “آجي تحوّس في القصبة” من خلال رحلة في التراث.
وأشارت السيدة فريدة إلى أن ما يجمعها بالسيدة غنية هو كثرة الرحلات السياحية إلى كل مناطق الجزائر، منها تاغيت، وعين الصفراء، والقالة، ووهران، وقسنطينة، وسوق أهراس، ومنطقة القبائل، وغيرها كثير، ليشجعهما الأصدقاء على توثيق ذلك الجمال والتراث في معارض تقدَّم للجمهور.
وكان أول معرض لهما بـ 28 ولاية، موجّه في الأساس، لجمهور الشباب، علما أنه عندما طلبتا رأيهم الخاص ردوا: “لم نكن نعرف بلدنا جيدا، ولم نكن نعرف أنّ بها كل هذا الجمال!”.
ومن بين ما أُعجب به الشباب، آثار قالمة بموقع خميسة وأهرامات تيارت وغيرها.
ق\ث